منذ أحداث الحادي عشر من ايلول، ومصطلحات الإرهاب ومكافحته تسيطر على السياسة الدولية والطرق القانونية التي تعنى بتحديد الظاهرة وتعريفها ومكافحتها. لقد توسعت ظاهرة الإرهاب العالمي مع بداية القرن الحادي والعشرين وأصبحت تطاول الكثير من الدول وتحظى باهتمام متزايد من البلدان المتقدمة والنامية على حدٍ سواء، وذلك لما لهذه الظاهرة الخطيرة من آثار مدمرة في المجتمعات وانعكاسات على الدول وفق المفاهيم العلمية الاجتماعية والسياسية.
أ: توسّع ظاهرة الإرهاب

لقد ارتبط تطور هذه الظاهرة مع تطور الأحداث الجارية على الساحة السياسية الدولية، وأضحى مصطلح الإرهاب ملاصقاً للأحداث الحاصلة في غير منطقة من العالم. وقد ساعد في توسع هذه الظاهرة الخطيرة من دون أدنى شك التنافس والصراع الدولي، وما الحرب في سوريا والعراق والإرهاب الذي يضرب المنطقة إلا نموذج على ذلك.
نحن اليوم أمام وضعية خاصة للنظام الدولي قائمة على شمولية العلاقات

إن الأحداث التي عصفت في منطقة الشرق الأوسط وانتشار تنظيم داعش والتهديد بالتوسع دولياً وسط حالة استقطاب عالمية واسعة نحو التنظيم الإرهابي، تجعلنا نقول اننا أمام طرحين يجب التفريق بينهما، هما عالمية الإرهاب وعولمة الإرهاب من دون الخلط بين المفهومين وارتباطهما بالظاهرة وانتشارها.
هناك من يخلط بين العولمة والعالمية، فيعتبر أننا أمام ظاهرة عولمة الارهاب مسقطاً العالمية عن الظاهرة كمصطلح لا بد من الالتفات إليه. هذا الخلط يأتي نتيجة صعوبة التفريق بين المصطلحين وايضاحهما مع أن عملية التوضيح ليست بالصعبة، حتى وإن كان التقابل والتفريق فيهما نوع من الصعوبة خصوصاً أن كلمة العولمة مأخوذة أصلاً من العالم ولذلك ذهب مفكرون كبار إلى أن العولمة والعالمية تعني معنى واحداً وليس بينهما فرق، ولكن في الواقع العلمي والعملي فإن المصطلحين يختلفان.

ب: عالمية الإرهاب

تعني العالمية الانفتاح على العالم والاحتكاك بالثقافات العالمية مع الاحتفاظ بخصوصية النهج وفكره وثقافته وقيم المجتمع ومبادئه. العالمية تكثيف للافكار وتبادل للمعرفة. هي إمكانية توجيه الخطاب إلى ارجاء المعمورة سواء من يقبله ومن يؤيّد تعاليمه وافكاره وشعاراته او يرفضها. العالمية لا تعرف الإقليمية أو القومية أو الجنس، وهي تخاطب مشاعر الإنسان وعواطفه وعقله وانجذابه وتأثره، وهي التنوع والاختلاف عن القاعدة.
يمكنني القول إن العالمية هي نزعة إنسانية توجه التفاعل بين الحضارات، والتعاون والتساند والتكامل والتعارف بين مختلف الأمم والشعوب، لكن هذه الخاصية تحولت اليوم إلى هدف لدى التيار التكفيري لنشر تعاليمه وثقافاته واستقطاب اكبر قدر ممكن من المتطرفين من خلال اللعب على عواطفهم.
منذ توسع تنظيم «داعش» في سوريا والعراق، بدأ يتم تحويل الإرهاب والتكفير عالمياً أكثر مما كان عليه في ظل سيطرة تنظيم القاعدة وانتشاره، وذلك من خلال نشر الفكر التكفيري وتعميم النماذج الارهابية التكفيرية. بدأ ذلك من خلال نشر المفاهيم والمصطلحات والكتب الداعشية عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت دوراً مهماً في تعميم هذا الفكر التكفيري وتسويق هذه الظاهرة.
لقد ساعد في انتشار هذه الافكار وتحويل ظاهرة التكفير والإرهاب إلى ظاهرة عالمية، ظاهرة المقاتلين الأجانب الذين استقطبوا من قبل التنظيم التكفيري بشكل واسع في سوريا والعراق، من ثم عودتهم واستقطاب اناس جدد ونشر التكفير وتعميمه في المجتمعات سواء العربية او الغربية وشراء العقول، لأن دور العالمية لدى التنظيم هو نشر ايديولوجيته التكفيرية.
وقد لعب فيسبوك وتوتير دوراً كبيراً في توسيع هذه الظاهرة، سواء لجهة التجنيد او التوثيق. إن ما يحصل في بلدان غربية كفرنسا واستراليا والدنمارك ما هو إلا انعكاس لهذه الظاهرة، ودليل على توسيعها الى العالمية لكي تضرب في غير منطقة من العالم، إذ لم يكن يتوقع وصولها اليها، لذلك فإن هناك جزءاً كبيراً يتحمله الغربيون في تعميم هذه الظاهرة وتحويلها الى عالمية الانتشار، بعد أن كان يراد من العالمية سابقاً نشر الدين الإسلامي الذي هو دين التسامح والمحبة والتعاون، الإسلام المحمدي الاصيل، هذا الدين الذي لا يفرق بين احد ولا يقبل الظلم ويدعو الى العدل والانصاف.

ج: عولمة الإرهاب

لقد خلط الكثيرون بين العالمية والعولمة لكن الأخيرة هي عبارة عن خليط بين السياسة، والاقتصاد والثقافة وتعرف بحسب وضعها وتصنيفها وقراءتها من نواحي مختلفة. وقد عرفها روبنز ريكابيرو بأنها: «العملية التي تملي على المنتجين والمستثمرين التصرف وكأن الاقتصاد العالمي يتكوّن من سوق واحدة ومنطقة إنتاج واحدة مقسمة إلى مناطق اقتصادية وليس إلى اقتصاديات وطنية». اما من الناحية الثقافية فتعني بشكل بسيط انتقال الأفكار والعادات من مجتمع إلى آخر. فهي تفرض نفسها بحكم النفوذ السياسي والضغط الاقتصادي والتغلغل المعلوماتي والإعلامي التي يمارسه النظام العالمي القائم. نحن اليوم أمام وضعية خاصة للنظام الدولي قائمة على شمولية العلاقات الدولية وتداخلها نتيجة العولمة الموجودة، وهذا ما بدأ يهدد مصير الوحدات السياسية القائمة، لا سيما من خلال الظاهرة الجديدة القائمة على عولمة الإرهاب وتعميمه في النظام الدولي القائم، ما قد يؤدي إلى تفكك وانهيار وحدات سياسية قائمة ولها حضارتها العريقة. يمكنني أن أقول إنه أصبح هناك خوف لدى الباحثين والمهتمين من زوال الدولة بمفهومها الكلاسيكي إلى قيام كيانات وإمارات تكفيرية. لقد انتشرت العولمة الإرهابية في كل ما يتصل من تفكير في العلاقات الدولية. لقد بات الإرهاب يطرح نفسه كاستعمار جديد وبديل في النظام العالمي. إن نشر الظاهرة كنمط واحد قائم بذاته ومتشابه هو عولمة لهذا الإرهاب التكفيري، لأن الجرائم هي ذاتها تعمم وفق نموذج واحد بين ليبيا، مصر، العراق، سوريا وغيرها من الدول العربية، كذلك في دول الغرب التي ساعدت في عولمة هذا الإرهاب. يعتبر تماهي هذه الظاهرة وتشابهها أحد أشكال العولمة الجديدة الناتجة من الحرب الغربية التي تشن بشكل مبطن على منطقتنا. بدأ العالم أجمع يدرك أن الإرهاب لم يعد قضية سورية، عراقية، مصرية أو عربية... لقد تحول إلى خطر إنساني يهدد كل شعوب العالم.
باتت هناك علاقة وطيدة بين الإرهاب والعولمة فهما نموذجان للحرب الاجرامية ضدنا سواء أكانت ناعمة ام صلبة اجرامية، هما يتماهيان في طبيعة الوسائل اللاخلاقية المستخدمة في هذه الحرب. وكما للعولمة صلة وثيقة بخلق الإرهاب، كذلك فإن الإرهاب بدوره فتح للعولمة سبل الانتشار والتوسع.

د: هدف التعميم وسبل المواجهة

في المحصلة يمكننا القول إن هدف نشر الظاهرة وفق مفهومي عالمية الإرهاب وعولمته هو تشويه لصورة الإسلام وشن حرب على الدين الإسلامي عبر جهات تدعي اعتناق هذا الدين لتكون وسيلة التشويه أسرع وأمتن.
نعم هي حرب على الإسلام من دون أدنى شك، لذلك فإن الدفاع اليوم بات عن هذا الدين، عن الإسلام عموماً، عن دين القيم دين المحبة والتسامح، لأن أعداء الإسلام يحاولون نشر ظاهرة التكفير عبر تنظيمات تكفيرية و»داعش» هو رأس الحربة في عملية التشويه.
من هنا تأتي ضرورة الحرب المضادة. الحرب الصلبة إلى جانب حرب تصحيح القيم وتصويب الصورة وتوحيد الهدف عبر توحيد الجهود. لذلك لا بد من التنسيق بين الدول في هذه المواجهة وتحديد الأهداف وسبل المواجهة الفكرية والثقافية التي يمكن من خلالها مواجهة الإرهاب التكفيري، فالقضية متشعبة ولا تمكن مواجهتها بالاعتماد على طرف دون آخر.
* باحث وصحافي لبناني