تونس | يتسارع نسق التحضيرات التقنية للانتخابات الرئاسية في تونس، بينما تشير تصريحات «الهيئة العليا المستقلة للانتخاب» واجتماعاتها إلى قرب الموعد الانتخابي، على رغم كون الأخير لم يُحدّد بدقة بعد. وكان الرئيس قيس سعيد أكّد أن الرئاسيات ستُجرى في موعدها المرتقب في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، قائلاً، خلال لقائه رئيس الهيئة، فاروق بوعسكر، السبت الماضي، إن الهيئة ملزمة «بفرض الاحترام الكامل لكل الأحكام المتصلة بالعملية الانتخابية والتي وردت في نصّ الدستور، وخاصة في الفصل 89 منه، وفي القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء وترتيب الجزاء القانوني على كلّ خرق من أي جهة كانت». وأضاف سعيد أن «تونس احترمت كلّ المواعيد التي عبّر فيها الشعب التونسي صاحب السيادة عن إرادته، سواء في الاستفتاء على مشروع الدستور الذي كان مسبوقاً باستشارة وطنية أو في انتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب ثم في انتخابات أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم»، وفقاً لما ورد في بيان الرئاسة.وإذ تأتي هذه التوصية من الرئيس للهيئة، بينما كانت الأخيرة تولّت رفع قضايا ضد كل من انتقد أداءها أو خضوعها المبالغ فيه لسعيد، فقد أثار ظهور الأخير مع بوعسكر وتقديمه التوجيهات له، سيلاً من الانتقادات في صفوف الراغبين في الترشح أو بعض السياسيين. ويرى مراقبون أن «الجلسة التي جمعتهما في السياق الحالي الذي تعيشه تونس وما يتسم به من ديكتاتورية وغياب للممارسة الديموقراطية، هي تمظهر مثالي لفقدان هذه الهيئة كل أوجه الاستقلالية عن التأثير السياسي».
من جهتها، اعتبرت رئيسة «حزب الجمهورية الثالثة»، ألفة الحامدي، التي يصفها المحللون بـ«رائدة الشعبوية» في البلاد، أن الجلسة «تبيّن حجم محدودية دور رئيس الهيئة وصلاحياته في إدارة الموعد الانتخابي»، مضيفة أن اللقاء والبيان الذي نشرته رئاسة الجمهورية الأحد عنه، هما «رسالة من قصر قرطاج بأن الرئيس هو الرئيس الفعلي للهيئة». على أن المفارقة، هنا، هي أن الحامدي نفسها كانت أنهت تعاوناً سياسياً مع رئيس «الحزب الجمهوري الشعبي»، لطفي المرايحي، على خلفية إعلانه رغبته في الترشح للرئاسة للمرة الثانية، بعد أن كان قد ترشح في عام 2019 وأخفق في المرور إلى الدور الثاني، فيما حظي حزبه بتمثيل حزبي ضعيف في البرلمان الذي كان حلّه سعيد عام 2021.
ما يزيد العملية الانتخابية التباساً، ملاحقة الهيئة للصحافيين والمؤسسات الإعلامية على خلفية انتقاد الرئيس وحكومته


هكذا، يُنظر إلى الحامدي، التي ستنافس سعيد على مقعد الرئاسة، على أنها لا تختلف في شيء عنه، باستثناء أنه لم يعيّنها في منصب ما، حتى إنها أعلنت، إثر فضّ شراكتها مع المرايحي، أن من بين أسباب ذلك، هو رغبة هذا الأخير في إلغاء دستور سعيد وجميع الإجراءات التي قام بها الرئيس، الأمر الذي اعتبرته «تهديداً للاستقرار الأمني والسياسي في البلاد». وتثق الحامدي التي تعتمد على خطاب جهوي تغازل فيه العائلات الكبرى، والتكوينات الشبيهة بالقبائل في منطقتها قفصة، لإيصالها إلى الدور الثاني، حيث تواجه رئيسة «الحزب الدستوري»، عبير موسي، التي أعلنت ترشحها للرئاسة من داخل السجن وفق تصريحات قيادات حزبها، علماً أن الأخيرة مسجونة منذ سنة على قيد التحقيق في قضية متعلقة بثلب «الهيئة العليا للانتخابات»، وتتلقى أيضاً دعوات للتحقيق في قضايا أخرى أثيرت ضدها حتى في سنوات سابقة. وبحسب محامي موسي، فقد جرى تفعيل كل الشكاوى التي قُدمت بشأنها خلال السنوات الماضية لتثقيل الأحكام السجنية عليها ومنعها من المشاركة. ويُذكر أيضاً أن موسي تمجّد حقبة الاستبداد التي عاشتها تونس في ظل نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
على أن كلاً من الحامدي والمرايحي وموسي يشتركون في ضعف مصداقيتهم لدى الشارع التونسي، فضلاً عن ضعف مشاريعهم الانتخابية. كما أن التصحر الذي ضرب الساحة السياسية، وخصوصاً بعد سجن القيادات السياسية لـ«حزب النهضة» والتيارين «الديموقراطي» و«الجمهوري»، يجعل هؤلاء، جنباً إلى جنب مع منذر الزنايدي والصافي سعيد ونزار الشعري، أشبه بـ«ديكور» في انتخابات سعيد التي ستفضي إلى إعادة انتخاب الأخير حتماً. وفيما لا تزال أمام المترشحين شروط مجحفة لقبول ترشيحاتهم، يبدو أن هذه الشروط لا تنطبق إلا على الرئيس، بمعزل عن العقبات السياسية والملاحقات القضائية والأمنية التي تقصي المرشح السابع عصام الشابي، الأمين العام لـ«الحزب الجمهوري» والمعتقل في إطار قضية التآمر على أمن الدولة. ومن بين الشروط المشار إليها، الحصول على تزكية عشرة نواب من البرلمان، أو عشرة نواب من مجلس الأقاليم والجهات، أو عشرة آلاف ناخب مسجّل على سجلّ الناخبين، علماً أن «هيئة الانتخابات» تضع قيوداً شكلية على التزكيات حتى لا يتم التلاعب بها، خاصة أن للناخبين والمترشحين في تونس تاريخاً في بيع التزكيات وشرائها خلال المحطات الانتخابية الماضية عامي 2014 و2019.
وما يزيد العملية الجديدة التباساً، ملاحقة الهيئة للصحافيين والمؤسسات الإعلامية على خلفية انتقاد الرئيس وحكومته، بذريعة نشر أخبار زائفة من شأنها التأثير على نتائج الانتخابات، وهو ما بدأت فيه منذ نهاية عام 2022. وبالنظر إلى واقع التضييق على الإعلام، تُفهم أسباب غياب منصات حوارية يموّلها دافعو الضرائب ولا يكون ولاؤها للرئيس وحده. أما المؤسسات الخاصة فقد التقطت إشارات النظام وانضبطت بإلغاء البرامج الحوارية. واللافت، هنا، أن غالبية الإذاعات والتلفزات ألغت هذه البرامج قبيل أشهر من الانتخابات، وتخلّت عن دورها تحت ضغط المحاكمات والسجن والاعتقال.