الظاهر أن إقالة الرجلين مردّها إلى غضب سعيد من تراجع تأثيرهما على الأنصار
والظاهر أن إقالة الرجلين مردّها إلى غضب سعيد من تراجع تأثيرهما على الأنصار، فضلاً عن أنهما كانا محطّ انتقادات عديدة داخل أوساط هؤلاء، واتهامات بأنهما المسؤولان عن دخول الرئيس في صدامات مع قطاعات حيوية على غرار المحامين والصحافيين. وفي هذا السياق، قد يكون الفقيه كبش الفداء الذي قدّمه سعيد للمحامين بعد حادثة الاعتداء والتعذيب التي تعرّض لها المحامي مهدي زقروبة، والتي لاقت استهجاناً واسعاً محلياً ودولياً، وأعادت تونس من جديد كموضوع يتداوله الفضاء الأوروبي، على خلفية انتهاك حقوق الإنسان وتعذيب سجناء الرأي.
وعلى أي حال، فقد سعيد، بإعفائه الفقيه والزاهي، آخر نفس يساري في نظام حكمه؛ فالفقيه كان قيادياً في حزب «الوطنيين الديمقراطيين» اليساري، كما أنه والزاهي كانا من قيادات «الاتحاد العام التونسي للشغل». وبهذا، قطع الرئيس جميع ما يربطه بالحركات السياسية التي ساعدت في وصوله إلى الحكم، وأفسح المجال لظهور مجموعة جديدة عُرفت بانتهازيتها السياسية. وإذ أضحت حكومة سعيد الآن عبارة عن مجموعة من التكنوقراط المكتفين بتصريف الأعمال فقط وفق الرؤية التي يرسمها الرئيس، شرعت «الهيئة العليا للانتخابات» في الإعداد الفعلي للموعد الانتخابي ودعوة الناخبين إلى التثبّت من تسجيلهم.
وفي هذا الوقت، لا تزال قوى كثيرة تعوّل على ترتيبات خارجية لإزاحة سعيد، وتطرح بدائل منه على غرار الأميرال المتقاعد كمال العكروت الموجود في الإمارات، أو منذر الزنايدي رجل نظام ابن علي الذي لا يزال يحتفظ بعلاقات جيدة مع الأنظمة الغربية ويقيم في فرنسا. أما المعارضة الجديدة فبدأت تتشكّل، هذه المرة، لا من الأحزاب السياسية والنقابات، وإنما من ناشطين شبان داخل أحزاب اليسار والوسط الإصلاحي، أو في المجتمع المدني. وشكّل نجاح المسيرة التي نظّمها شباب «احكموا الحيوط» بمثابة صدمة للجميع؛ ليس للسلطة فقط وإنما للأحزاب السياسية بمعارضتها وموالاتها وللمركزية النقابية التي يمثّلها «الاتحاد العام التونسي للشغل». ويعتقد هؤلاء الشبان، وفق تصريحات مؤسس الحراك أسامة الظاهري، أن الحركة ردّ طبيعي ومنطقي على الصراع الحاصل الآن بين منظومة سعيد ومنظومة حركة «النهضة» وحلفائها، ومحاولة لافتكاك مسار «الثورة» من الطرفين.