يؤكد «الاتحاد العام التونسي للشغل» أن هدف الحوار الوطني إيجاد مخرج للأزمة السياسية أساساً
إزاء ما تَقدّم، لم يَجد الاتحاد بدّاً من الخروج عن صمته، لا سيما في ظلّ نتائج الانتخابات التشريعية التي ظهّرت الإحباط الشعبي الناتج من غياب الحلول السياسية والإخفاق في إدارة الأزمتَين الاقتصادية والاجتماعية. وفي حين كان متوقّعاً أن تعلن المنظّمة بدء التحرّكات الشعبية، فقد بدا أنها أجّلت هذه الخطوة إلى وقت لاحق، أو لعلّها تنتظر اندلاع الاحتجاجات بشكل عفوي لتلتحق بها وتتبنّاها حتى لا تُحمّل مسؤولية تهديد الاستقرار. في هذا الوقت، أعلن الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، بدء المشاورات من أجل عقد حوار وطني، بمساندة شريكَيه التاريخيين، «الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» و«الهيئة الوطنية للمحامين»، في مشهد يعيد إلى الأذهان سيناريو عام 2014. ولا تسعى المنظّمات الثلاث إلى إزاحة سعيد من الحُكم، على اعتبار أن الرجل منتخَب ديموقراطياً بأعلى نسبة أصوات منذ الانتفاضة، وأن أيّ دفع نحو إزاحته بغير الانتخابات يعدّ سيراً بالبلاد نحو الفوضى. وهي تعي أيضاً أنه لا بدائل اليوم على الساحة السياسية، خصوصاً أن «النهضة» هي التي تقود المعارضة، فيما الأحزاب المعارضة الديموقراطية واليسارية والاجتماعية متفكّكة، وآخرها حزب «التيار الديموقراطي» الذي استقالت قياداته منذ أيام، معلنةً أن أحزاب الحكم والمعارضة غير قادرة على قيادة أيّ حراك سياسي، وتجاوزتْها إرادة التونسيين.
ومن هنا، تؤكد قيادات «اتحاد الشغل» أن الهدف من الحوار هو إيجاد مخرج للأزمة السياسية، أي تقويم نظام سعيد الذي يدرك حجم التقدير الدولي الذي يحظى به الاتحاد بَعد دوره في الحوار الوطني وحيازته «جائزة نوبل للسلام»، ما يعني أن رفض مبادرته سيجلب على الرئيس مزيداً من الانتقاد والعزلة الدولية. ومع ذلك، فإن سعيد لا يزال متمسّكاً بكونه القائد الأوحد ذا الرؤية الأصوب والتفويض الشعبي، الذي لا يناقش ولا يساءل. على أن ما بدا مختلفاً في ردّ فعله هذه المرّة، هو استحضاره لصورة 25 تموز، إذ جمع مجلس الأمن القومي ووزراء الداخلية والدفاع والعدل، متحدثاً عن الإنذار الأخير في وجه تهديدات «الاتحاد» التي لمس خطورتها. وإذ تفادى الإقرار بفشل الانتخابات التشريعية، فقد اعتبرها «غربلة للصادقين الأوفياء الذين توجّهوا إلى صناديق الاقتراع فيما قاطع الخونة والمتأثرون بهم»، متوجّهاً إلى «منظمة الشغيلة» بالقول إن «البلاد تَحكمها حكومة واحدة»، وإنه لن يسمح بحكومة ظلّ تسيّر الدولة، ملوّحاً بأن كلّ محاولات مَن يصفهم بـ«الخونة» لـ«توتير وضع البلاد سيتمّ التعامل معها مستقبلاً بحزم أكبر».
على أن هذه التهديدات لم تثنِ المنظّمات الثلاث عن المضيّ في مبادرتها، والبدء بالتحشيد الإعلامي من أجلها، بل استغلّت الردّ على تصريحات سعيد للتوضيح أنها لا تهدف إلى إسقاط الرئيس، وإنما إلى إخراج البلاد من نهج التفرد بالحكم. ولكنها في العمق، إنما ترتّب لمرحلة ما بعد انتخابات العام 2024 مسبقاً، عبر حوارها الوطني، ومحاولة وضع أسس حُكم جديدة مغايرة لتلك التي وضعتها منظومة «النهضة»، وأيضاً التي فرضها سعيد، لعلّها عبر الحوار تنجح في فرض ممارسة سياسية ديموقراطية تعددية حقيقية من بوابة الانتخابات المقبلة.