على بُعد شهرَين من الانتخابات الرئاسية الليبية المقرَّرة في الـ24 من كانون الأول المقبل، يحتدم التنافس بين الشخصيات التي ستخوض السباق، ومن أبرزها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ونجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، سيف الإسلام. اللافت أن هذين المرشّحَين اللذين يحظى كلّ منهما بدعم أطراف إقليمية ودولية، لم يجدا حرجاً في التوجّه إلى إسرائيل لطلب خدمات استشارية لإدارة حملتَيهما، متّكئَين في ذلك على الإمارات التي باتت دلّال التطبيع في المنطقة، ومحجّة لكلّ مَن يريد خطب ودّ العدو. وإذا كانت وسائل الإعلام العبرية تحفّظت عن ذكر اسم الشركة التي أسدت خدماتها لكلّ من حفتر والقذافي، فإن بحثاً في حقيقة هويّتها أجرته «الأخبار» أظهر أنها ليست إلّا شركة موشي كلوغهفت، الذي يشغل منصب المستشار الاستراتيجي لرئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت
«استأجر الجنرال خليفة حفتر شركة استشارات إسرائيلية، ولكن منافسه أيضاً، سيف الإسلام القذافي، استأجر هو الآخر خدمات الشركة الإسرائيلية ذاتها». الكلام لصحيفة «إسرائيل اليوم»، التي رأت في تقرير لها قبل أيام، أنه «ليس المهمّ مَن ينتصر في الانتخابات الليبية، المهمّ أن المستشار الإسرائيلي هو الفائز الأول». وفق التفاصيل المنشورة، فإنه قبل شهرين، وُقّع في دبي عَقد بين بلقاسم حفتر، أحد أبناء اللواء المتقاعد، وشركة إعلام إسرائيلية ضخمة لم تَذكر الصحيفة اسمها، مكتفيةً بالإشارة إلى أن أصحابها «أداروا حملات انتخابية ناجحة لمتنافسين رئاسيين في إسرائيل ودول أجنبية». وبعد توقيع العقد المذكور، تلقّت الشركة طلباً شبيهاً من نجل الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي، عبر «إحدى عارضات الأزياء التي تقيم في دبي». ونقلاً عمّا سمّته «إسرائيل اليوم»، «مصادر من الخليج الفارسي»، فإن «العلاقة مع حفتر كانت ناجحة جداً... ولذا، أنشأت الشركة الأمّ شركة أخرى في الإمارات، ومن طريقها وقّع القذافي الابن على العقد، الذي تبلغ قيمة عشرات ملايين الدولارات، سيتكفّل بدفعها رجال أعمال من عُمان، وكذلك كيانات تجارية من الإمارات». بالبحث المتسلسل عن هويّة الشركة المقصودة، يتبيّن أنها ليست إلّا شركة «كلوغهفت»، التي تقدّم خدمات «عابرة للدول» كما لا يفعل أيّ أحد آخر. وإذا لم ما يكن مدهشاً أن عقدَي إدارة حملتَي القذافي وحفتر الانتخابيتَين أُبرما في الإمارات، عرّابة التطبيع مع العدوّ وقائدته، فإن اللافت هو استعداد الوجوه الليبية الجديدة لسلوك أيّ طريق يوصلها إلى كرسيّ الرئاسة، ولو كان معبّداً بكثير من الكبائر، وأكبرها إسرائيل!

من إسرائيل إلى كوسوفو فجورجيا والنمسا ثمّ ليبيا
بحسب صفحته على موقع «فايسبوك»، ولد موشي كلوغهفت في 8 حزيران 1980، في مستوطنة بات يام، وهو الابن الثالث لوالدته حايا، مُدرّسة الرياضيات، ووالده مئير، قائد سرية في سلاح المدفعية في جيش العدو الإسرائيلي. بعد خدمته العسكرية، درس موشي التسويق والعلوم السياسية والإعلام، ونال لقباً أوّل في كلّ واحدة منها من جامعة «بار إيلان» الإسرائيلية. وخلال دراسته، أنشأ معهد «بار متسفيه» الذي توجّه من خلاله إلى الجمهور العلماني، كما أنشأ «بازللاند» التي عملت في بيع ألعاب البازل. شغل منصب المتحدّث باسم «الاتحاد الطلابي الإسرائيلي» بين عامَي 2005 و2006، وخاض المعارك الطلابية في مسائل الأقساط التدريسية، ضدّ وزيرة التعليم، ليمور لفنت. بعد ذلك، عمل كمستشار سياسي لبنينا روزنبلوم، التي نافست في انتخابات حزب «الليكود» الداخلية. ومنذ سنة 2006، عمل مستشاراً إعلامياً في «الكنيست» لكلّ من يسرائيل حسون ورونيت تيروس، وكان المتحدّث باسم لجنة الاقتصاد التابعة لـ«الكنيست»، بحسب موقع «كالكليست» الإسرائيلي.
قاد كلوغهفت حملة نفتالي بينيت وإيليت شاكيد للانفصال عن «البيت اليهودي» وإنشاء «اليمين الجديد»


أيضاً، شغل منصب المستشار الإعلامي لاتّحاد المنظّمات التي دعمت احتجاجات ضبّاط الاحتياط، والتي أدّت إلى استقالة رئيس الوزراء في حينه، إيهود أولمرت، في أعقاب عدوان تموز على لبنان عام 2006. وفي عام 2008، صنّفته مجلة «فوربس» الإسرائيلية «كأكثر مستشار إعلامي مؤثّر في إسرائيل بعدما قدّم استشارته لرئيس الوزراء في ذلك العام، كما صنّفته من بين الـ100 شخصية شبابية المؤثّرة في إسرائيل». في سنة 2009، أدار حملة ضدّ «ضريبة الجفاف» (وهي ضرائب فرضتها حكومة نتنياهو في حينه على المياه، قبل إبطالها). وفي بداية 2010، أدار مع شموئيل ويليان حملة شعبية قادتها منظّمة «إم ترتسو» اليهودية المتطرّفة ضدّ «الصندوق الجديد لإسرائيل»، بدعوى أن «تقرير غولدستون» حول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008، والذي أكد ارتكاب جيش الاحتلال جرائم حرب في القطاع، تأسّس على معطيات نشرتها التنظيمات التي يموّلها الصندوق. في صيف 2010، قاد حملة نيابة عن «المنتدى من أجل أرض إسرائيل» ضدّ لجنة «شيسينكي» التي أوصت برفع الضرائب التي يتوجّب على شركات إنتاج الغاز والنفط دفعها. وزعمت الحملة أن رفع الضرائب يقف خلفه «الصندوق الجديد لإسرائيل» بهدف «إضعاف إسرائيل» من طريق جعل الاستثمار في إنتاج الغاز الطبيعي غير مربح، وزيادة الاعتماد على الغاز المستورد من مصر، وفق «كالكليست».
بعد نجاحاته تلك، افتتح كلوغهفت مع عضو الكنيست السابق، رونن تسور، مكتباً لتقديم الاستشارات الإعلامية والاستراتيجية باسم «إي دي كيه للإعلام». وشغل منصب المستشار الاستراتيجي لـ«مجلس المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة»، في إشارة إلى الضفة الغربية المحتلة، أي في الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء الحالي، نفتالي بينت، نائب مدير المجلس. وفي تشرين الثاني 2012، أدار الحملة الانتخابية لبينت الذي نافس على رئاسة «البيت اليهودي»، وفاز بها على زفولون أورليف، بعدما نال 67% من الأصوات. لاحقاً، قاد موشي الحملة الانتخابية لـ«البيت اليهودي» في انتخابات «الكنيست الـ19»، والتي فاز فيها الحزب بـ12 عضواً، في ما مثّل أكبر عدد مقاعد يحصده اليمين الصهيوني منذ سنة 1977. استمرّ كلوغهفت في منصبه إلى جانب الحزب حتى في الانتخابات العشرين لـ«الكنيست»، عندما خسر الحزب ثلث مقاعده، كما شغل منصب المستشار الاستراتيجي لمفاوضات الائتلاف الحكومي آنذاك. وفي عام 2016، عمل مستشاراً لعضو «الكنيست»، أرئيل مرغليت، الذي نافس على زعامة حزب «العمل»، بحسب موقع «سروغيم»، ليفوز الأخير بالمقعد الرابع في قائمة الحزب. وفي أيلول من العام نفسه، عُيّن كواحد من المستشارين الاستراتيجيين لحملة «الحزب الاجتماعي الديمقراطي» في الانتخابات البرلمانية الرومانية، طبقاً لصحيفة «جيروزاليم بوست»، لتتعاظم قوّة الحزب بـ45%. كما قدّم استشاراته لـ«الحزب الليبيرالي الكوسوفي» وفق الصحيفة ذاتها، وعمل مستشاراً استراتيجياً لرجل الأعمال والسياسي السابق الذي شغل منصب المستشار النمساوي، كريستيان كيرن، ما بين كانون الثاني 2016 وتموز 2017، بحسب موقع «القناة السابعة».
في عام 2018، قدّم كلوغهفت، وفق موقع «واللا»، استشارة من وراء الكواليس بشكل تطوعّي، لعضو «الكنيست» تمار زيندبيرغ، التي نافست لرئاسة حزب «ميرتس»، وهي استشارة استدعى كشفها انتقادات حادّة لزيندبرغ، حملت الأخيرة على تقديم اعتذارها لجمهورها. وفي السنة نفسها، أسدى خدماته الاستشارية لتسيفيكا بروط، الذي انتصر على رئيس بلدية بات، يام يوسي بكار، في انتخابات السلطات المحلية بحسب قناة «kikro media» على «يوتيوب». وفي الفترة ذاتها، كان كلوغهفت المستشار الاستراتيجي لحملة وزراة الأمن الداخلي، وشرطة إسرائيل، في «الهيئة القومية 105» للحفاظ على سلامة الأطفال من مخاطر شبكة الإنترنت. وفي 2018 أيضاً، قاد حملة سولما زورافيشفيلي التي انتصرت في الانتخابات الرئاسية الجورجية في تشرين الثاني من ذلك العام، طبقاً لصحيفة «إسرائيل اليوم» وموقع «موشيه كلوغهفت». وفي انتخابات «الكنيست الـ21»، قاد كلوغهفت حملة نفتالي بينيت، ووزيرة الداخلية الحالية، إيليت شاكيد، للانفصال عن «البيت اليهودي» وإنشاء حزب «اليمين الجديد»، وفق موقعَي «واي نت» و«هآرتس» العبريَّين. وفي عام 2020، كان مستشاراً لرئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، بحسب الصحافي الإسرائيلي عمات سيغل. وفي تموز 2021، عيّنه بينت مستشاره الاستراتيجي، مثلما يورد موقع «واللا». وأخيراً، صنّفته صحيفة «جيروزاليم بوست» بين الـ50 يهودياً المؤثّرين على مستوى العالم لعام 2020.