على رغم رفض الشارع الجزائري، أصرّ رئيس أركان الجيش، ورجل المرحلة القوي، أحمد قايد صالح، على «المسار الدستوري» الذي انطلق أول من أمس، لمرحلة ما بعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والذي يقضي بتعيين رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، رئيساً مؤقتاً لثلاثة أشهر بصلاحيات محدودة، لترتيب مرحلة انتقالية يجري خلالها إدخال تعديلات جوهرية على الدستور، وتعديل قانون الانتخابات، وصولاً إلى دستور جديد، بإشراف الحكومة الحالية برئاسة نور الدين بدوي، المرفوض شعبياً أيضاً. فبعد صمت مريب سبق تنصيب بن صالح رئيساً للدولة، خرج قايد صالح أمس، ليؤكد في كلمته أمام «إطارات الناحية العسكرية الثانية» في وهران غربي البلاد، أن لا حل للأزمة خارج الدستور.خطاب بن صالح مثّل نقلة في موقف المؤسسة العسكرية من مرحلة أولى رافق فيها الحراك الشعبي في مطالبه «رغم ظهور بعض الأصوات الناعقة في الداخل والخارج» كما قال، وحقق منها حتى الآن إسقاط محاولة التمديد للرئيس، والعهدة الخامسة، وحكومة أحمد أويحيى، وأخيراً استقالة بوتفليقة قبل نهاية ولايته الرابعة، إلى مرحلة ثانية ابتداءً من أمس، تتمثل في مرافقة العملية الانتقالية، وتأكيده أنه «سيسهر» على «شفافية» مرحلة التحضير للانتخابات الرئاسية. وهي مرحلة يخشى المحتجون والمعارضون من أن يجدد النظام لنفسه بنفسه فيها، خصوصاً أن «الحل الدستوري» لا يستبعد «رموز النظام»، ومَن وصفهم قايد صالح بـ«العصابة».
لكن بالنظر إلى تصريحات رئيس الأركان، الذي أكد أن «من غير المعقول تسيير المرحلة الانتقالية من دون وجود مؤسسات تُنظم وتشرف على هذه العملية»، وأول خطاب لعبد القادر بن صالح أمس، يبدو أن السلطة والجيش يقدمان وصفة حل وسطي ضمن «الإطار الدستوري»، من شأنه ربما أن يلبي مطالبة المعارضة والمحتجين بتشكيل «هيئة رئاسية» تتولى المرحلة الانتقالية. إذ تحدث بن صالح عن عزمه على استحداث «هيئة وطنية سيدة في قرارها»، تتكفل بتوفير الشروط الضرورية لإجراء انتخابات رئاسية «نزيهة» في غضون 90 يوماً، بالتشاور مع الطبقة السياسية والمجتمع المدني، من خلال تفعيل المادتين 7 و 8 من الدستور. وفي انتظار موقف الشارع من هذا «العرض» يوم الجمعة المقبل، بدا أمس أن ثمة بوادر رفض أيضاً.
حذّر صالح من محاولات أطراف أجنبية فرض أشخاص ممثلين عن الشعب


خطاب قايد صالح أمس، حمل أيضاً رسائل تحذيرية من محاولة «أطراف أجنبية» ضرب استقرار البلاد من دون تسميتها، لكنه لمّح إلى فرنسا التي احتلت الجزائر لأكثر من 130 عاماً، بالقول: «سجلنا للأسف ظهور محاولات لبعض الأطراف الأجنبية، انطلاقاً من خلفياتها التاريخية مع بلادنا، لدفع بعض الأشخاص إلى واجهة المشهد الحالي، وفرضهم كممثلين عن الشعب». ويبدو أن قرار الجزائر طرد مدير مكتب وكالة الأنباء الفرنسية، إيمريك فنسنو، أول من أمس، يأتي في هذا الإطار. إذ تدعم الوكالة، ووسائل إعلام فرنسية كقناة «فرانس 24»، مواصلة الحراك ورفض «المسار الدستوري»، وتسلّط الضوء على وجوه معينة منه.
ويبرز من بين هذه الوجوه، البرلماني السابق والمحامي مصطفى بوشاشي، والإعلامي والأستاذ الجامعي فضيل بومالة، والمحامية والناشطة السياسية زبيدة عسول، ورئيس الوزراء السابق أحمد بن بيتور، وهم شخصيات مقترحة لتمثيل المحتجين، وفق ما تظهر قوائم نشرها مدونون على مواقع التواصل الاجتماعي، حول فكرة اختيار ممثلين عن الحراك الشعبي للتفاوض مع السلطة، لكن النقاش لا يزال مستمراً، إذ يرفض آخرون هذه الفكرة ويفضلون ترك الحراك عفوياً بلا قيادات خلال هذه المرحلة، علماً أن بوشاشي اعتذر عن عدم قبول تفويضه، قائلاً إنه يرفض «إطلاقاً محاورة السلطة، لأن ما تقوم به غير دستوري».
وبالعودة إلى خطاب قايد صالح، فهو اعتبر أن هذه الأطراف الخارجية تهدف إلى فرض «ممثلين» عن الشعب «تحسباً لقيادة المرحلة الانتقالية... من خلال رفع شعارات تعجيزية ترمي إلى الدفع بالبلاد إلى الفراغ الدستوري وهدم مؤسسات الدولة»، وصولاً إلى «إعلان الحالة الاستثنائية»، التي يجري تقريرها في حالة وجود خطر داهم يوشك أن يُصيب مؤسسات الدولة أو استقلالها، علماً أن فرنسا سبق أن حثت الجزائريين رسمياً على الاستمرار في التظاهرات حتى يوم استقالة بوتفليقة، حين اعتبر وزير خارجيتها، جان إيف لودريان، أن بلاده واثقة من أن الجزائريين سيُواصلون السعي إلى «انتقال ديموقراطي». لكن في المقابل، يجلّي الإعلام الفرنسي خشية لدى باريس من انعكاس الوضع في «المستعمرة السابقة»، إذ تحذر الصحف من الفوضى التي ستزعزع الوضع في فرنسا أيضاً، وتذكّر بأيام «العشرية السوداء» التي أدت إلى موجة هجرة هائلة تضمّ عدداً كبير من الإسلاميين.
وهذه ليست المرة الأولى التي يشير فيها قايد صالح إلى مؤامرة خارجية. ففي خطاب سبق استقالة الرئيس بثلاثة أيام، تحدث عن أن «بعض الأطراف ذات النيات السيئة تعمل على إعداد مخطط يهدف إلى ضرب صدقية الجيش... والالتفاف على المطالب المشروعة للشعب». ولم يعلن قايد صالح أسماء هؤلاء حتى الآن، لكن وسائل إعلام جزائرية كانت قد ذكرت أن على رأسهم السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق ومستشاره، والجنرال المتقاعد محمد مدين المعروف باسم الجنرال توفيق، والرئيس الأسبق إليامين زروال، واللواء المستقيل بشير طرطاق، إضافة إلى عناصر من المخابرات الفرنسية، لتنفي السفارة الفرنسية لاحقاً تلك المعلومات.