تونس | لم تنته بعد ردود الفعل على عرض قناة «نسمة» لفيلم «برسيبوليس» بعد. وقد شهدت العاصمة التونسيّة مساء أمس تظاهرة احتجاج تندد بالعنف الذي تمارسه فئة متطرّفة باسم الإسلام، على الإعلام والثقافة والإبداع.
المسيرة التي دعا إليها ناشطون مستقلّون على موقع فايسبوك تحت شعار «أعتَقنِي»، كانت مرخّصة من وزارة الداخلية وجرت تحت حماية الشرطة، وتنوّعت شعاراتها بين التضامن مع قناة «نسمة»، والدفاع عن حرّية التعبير عموماً. وجاء هذا التحرّك كردة فعل على التظاهرات العارمة التي نُظّمت في مدن تونسية عدة إثر صلاة الجمعة الماضي احتجاجاً على بثّ المحطة للشريط. وتعليقاً على التظاهرات المندّدة بالقناة والتي نظمها عدد من المتشددين، قال الناشط السياسي والحقوقي مالك كفيف إن المسيرة كانت من أكبر التحركات التي شاهدها، وهو ما أكّده أيضاً محمّد السوداني، عضو «حزب العمّال الشيوعي التونسي» الذي كان شاهداً على خروج المسيرة من جامع الفتح وسط العاصمة. وقد سبق هذه التحركات استنفار أمني حول مقرّ التلفزيون وفي الشوارع المحيطة. وبدت واضحة آثار للمواجهات بين الأمن والمتظاهرين التي تخللها رمي للحجارة ولقنابل الغاز المسيلة للدموع. وكان لافتاً وجود آثار زجاج قوارير جعَة، قال شاهد عيان إنّ شباباً من حيّ شعبي مجاور رشقوا بها قوّات الشرطة. أمّا الناطق باسم وزارة الداخلية، فقد صرّح لـ«وكالة تونس أفريقيا للأنباء» (التابعة للدولة) بأنّ قوّات الأمن سمحت بالتظاهرات ولم تتدخّل إلاّ عندما رشق المتظاهرون مبنى وزارة الثقافة بالحجارة.
سياسياً، رأى رضا بلحاج، الناطق الرسمي باسم «حزب التحرير» في تونس (غير مرخّص له) في حديث مع «الأخبار» أنّ هذه التظاهرات مشروعة ولا تستهدف الفيلم فقط، بل تدخل في إطار «سياسة ممنهجة ضدّ المقدّسات في تونس». وقد اتّهم «التيّار التغريبي» بالوقوف خلفها. ونفى أن يكون حزبه قد شارك في تنظيم هذه التحركات، لكنّه قال إنّ محازبين كانوا «موجودين بفاعلية». ورأى أنّ دفاع البعض عن عرض الفيلم بحجة حرّية التعبير هو «كلام فارغ»، مؤكداً أنّ «حقوق الأمّة تأتي قبل حقوق الأفراد». واسترسل قائلاً إنّ ذلك ينسحب حتّى على عدد من الدول الغربيّة. ونأى بلحاج بحزبه عن بعض أحداث العنف التي صاحبت التظاهرات.
في الإطار نفسه، رأى زياد الدولاتلي، عضو المكتب السياسي لحركة «النهضة» في تصريح لـ«الأخبار» أنّ حرّية الإبداع «مقدّسَة»، إلا أنّ الحريات الفرديّة لا تكون مطلقة «إلاّ في البيت، لكن عندما يخرج الفرد منه، فإنّ المجتمع يضع قوانين تحدّ منها عبر مؤسّساته المنتخَبة». ولم يخف الدولاتلي انزعاجه من مسيرات الجمعة الماضي التي لم تدعُ إليها حركة «النهضة». ويوضح أنّ حركته «تعطي الأولوية المطلقة لإنجاح انتخابات المجلس التأسيسي». ووصف القيادي النهضوي الظهور القوّي للسلفيين بـ«خطر على البلاد... لكن لا أعتقد أنّهم أغلبية رغم نجاحهم في حشد الآلاف في تظاهرات الأيّام الأخيرة». وانتقد الدولاتلي قناة «نسمة» لعرضها الفيلم في هذا «التوقيت الحسّاس»، مشيراً إلى أن هذه الخطوة «استفزاز يهدف إلى التشويش على المسار الانتخابي».
بدوره، اتّهم الناشط اليساري والعلماني المستقلّ العيّاشي الهمّامي في حديث لـ«الأخبار»، قناة «نسمة» بارتكاب «خطأ كبير قد يضرّ بالانتخابات»، واصفاً عرض الفيلم بالخطوة غير المسؤولة. إلا أنّه عبّر عن قلقه من تواصل التظاهرات التي يرى أنّ السلفيين بالأساس هم من يحرّكها. ودعا المعارض الشرس السابق لنظام بن علي إلى تجاوز المسألة، في ضوء اعتذار مدير القناة أخيراً، متسائلاً عن نيات من يصرّون على مواصلة الاحتجاجات. وقد حاولت «الأخبار» الاتصال بمسؤولين في «نسمة» من دون أن تتمكّن من التواصل معهم.

لقد تم تعديل هذا النص عن نسخته الأصلية المنشورة بتاريخ 17 تشرين الأول 2011