لم تسمِّ المنظّمة في تقريرها المؤّلف من 20 صفحة، حالة واحدة من حالات مطاردة الصحافيين المعارضين في لبنان، كما أن وسائل الإعلام المحلية، المعارضة والموالية للنظام السوري، لم تتناول أي اعتداء على صحافي أو مدوّن سوري على الأراضي اللبنانية، رغم بعض التحقيقات التلفزيونية التي تطرّقت إلى موضوع «خطف واختفاء معارضين وناشطين في لبنان» كما جاء في شريط «ملاذ... غير آمن»، الذي أعدّته ديانا مقلّد لصالح «أخبار المستقبل»، لكنّ تراجع لبنان في العام الماضي لم يكن مفاجئاً بالنسبة إلى المنظّمة، التي سجّلت تدهور تصنيف هذا البلد في السنوات الأخيرة، فبينما كان يحتلّ المرتبة الأولى بين دول المنطقة، سبقته أخيراً الكويت (78)، ودولة الاحتلال الإسرائيلي (92).
لكن بغضّ النظر عن حقيقة هذه المعلومات التي استندت إليها المنظمة في صياغة تقريرها، تطرح أسئلة عدّة عن أسلوب إعداد هذا التقرير. المنظّمة العالمية تكشف أنّها توزّع استمارات عن الحريات الصحافية على ثماني عشر مؤسسة تعنى بهذا الموضوع، موزّعة على القارات الخمس، كما أنها تتواصل مع مراسليها المنتشرين في كل دول العالم، ومع مجموعة من الصحافيين والحقوقيين. وبناءً على نتيجة هذه الاستمارات تبني المنظمة تصنيفها الذي يشمل 179 بلداً، لكن هل تتواصل المنظّمة مع مختلف وجهات النظر؟ أم أنّها تقصر تعاونها على منظمات وصحافيين يمثلون وجهة نظر واحدة، وخصوصاً في الدول التي تشهد نزاعات؟ ولعلّ خير دليل على غموض طريقة اعتماد التصنيف، هو تقدّم الجزائر 11 مرتبة، رغم إقرار قانون للإعلام وصفه الصحافيون بـ«القمعي». كذلك الأمر بالنسبة إلى المغرب، التي تراجعت 8 مراتب « بسبب سجن رشيد نيني». أما الحراك الشعبي الذي انطلق في 20 شباط (فبراير) 2011، وما رافقه من تضييق على الحريات والصحافة، فلم يجدا طريقهما إلى تصنيف المنظمة الشهيرة. أما باقي الدول العربية، فجاءت في مراتب متأخّرة. هكذا ضمّت لائحة أسوأ عشرين دولة كلاً من مصر (166)، والسودان (170)، واليمن (171)، والبحرين (173)، وسوريا (176). أما تونس وليبيا، فسجّلتا تقدّماً ملحوظاً، حيث تقدّمت بلاد الطاهر الحداد من المرتبة الـ164 إلى الـ134، فيما انتقلت ليبيا من المرتبة الـ160 إلى الـ154. وأرجعت المنظّمة تقدّم هذين البلدين إلى التحركات الاحتجاجية التي أطاحت زين العابدين بن علي، ومعمّر القذافي. لم تتوسّع المنظّمة في إعطاء أمثلة تعكس اتساع رقعة الحرية في هذين البلدين، كما أنها لم تتطرّق إلى التجاوزات الكبيرة التي ترتكبها بعض الأطراف الدينية في كل من تونس وليبيا، عكس تقريرها الفصلي الذي صدر سابقاً، وتوسّع في الإضاءة على «الخطر على المعلومة في ظل الربيع العربي».
لكن ماذا عن إسرائيل؟ دولة الاحتلال تراجعت هذا العام ستّ مراتب لسبَبين بسيطَين هما: صدور حكم بالسجن على صحافي في «هآرتس»، وإقرار مشروع قانون «ينص على زيادة ملحوظة في قيمة التعويضات التي يجب تسديدها على من يتّهم بالتشهير». أما اعتقال الصحافيين الفلسطينيين، والتضييق عليهم، فلم تطرّق إليهما المنظّمة، ولا حتى في إشارة بسيطة.
إذاً أصدرت «مراسلون بلا حدود» تقريرها السنوي، وبغض النظر عن انحيازها أو حياديتها، يبقى هذا التنصيف مؤشِّراً مقلقاً إلى مستقبل الصحافيين والحريات في المنطقة.
تناقش حلقة «شي. أن. أن» الليلة (22:00 على «الجديد») موضوع حرية الإعلام في لبنان