لن يكون حلم طالب إعلام في سنته الجامعية الثانية سوى أن تستقطبه قناة فضائية أو منبر محترف ليخضع لتمرين فعليّ يتحرّر فيه من ثقل المعلومات النظرية وأسلوبية الاستعلاء المسيطرة على بعض الأكاديميين. هذا بالضبط ما كانت تتمنّاه الصحافية ومذيعة الأخبار ومقدمة البرامج ميس محمد. الوقت كان ذهبياً بالنسبة إلى الإعلام السوري حينها، لذا انضمت سريعاً، وهي ما تزال طالبة، إلى تلفزيون «شام» (محمد أكرم الجندي) الذي لم ير النور، لتذهب نحو الفكر الشبابي الذي كانت تجرّب تكريسه قناة «أورينت» عندما كانت في عزّ انطلاقتها الأولى من دمشق. بمعنى أنّ الفرص حينها كانت تأتي على أطباق من ذهب، بسبب الانفتاح الذي وازى تلك الحقبة الزمنية المترفة! بعد تلك التجارب ومرحلة انتقالية قاربت العام في التلفزيون السوري، قرّرت ميس على خلفية الأحداث السياسية اللّاهبة التي حاصرت بلادها أن تبتعد قليلاً عن الشاشة إلى أن أتتها الفرصة الأكثر نضوجاً والأوفر حظاً، لتستقر في موسكو وتنطلق كمذيعة أخبار ومقدمة برامج على شاشة «روسيا اليوم». ما زالت الأحلام بمهنة المتاعب مبلّلة بالشغف والحماسة فيما المهنة عبارة عن أسلوب حياة لا ترتبط فقط بالظهور على الشاشة، كما توضح محمد في حديثها مع «الأخبار». وتضيف عن تحدّيات الإعلام التقليدي: «صحيح أنّ كل شخص يمتلك موبايل صار يريد أن يكون صحافياً، وتبقى هذه سمة مرحلة! يجب على الإعلاميين الذين يمتلكون أدوات المهنة ألا يتركوا الساحة لأصحاب الموبايلات، بل أن يطوّروا من أنفسهم حتى ينافسونهم على منصاتهم».
وفي هذا السياق، تشير ميس إلى أنّ «المقارنة بين الإعلام التقليدي وإعلام السوشال ميديا متاحة لكن من الممكن أن يكونا وجهين لعملة واحدة تزدهر عندما يتماهيان مع بعضهما بعضاً ويُكمّلان بعضهما بعضاً... على المستوى الشخصي تطوّر الإعلام يتيح لي الوجود على أكثر من منصة، وهذا جيّد بالنسبة إلى شخصية الإعلامي ويمكّنه من الوصول إلى الشرائح كافّة، كما أنّ الجمهور المستهدف تلفزيونياً بات يسجّل تراجعاً صريحاً. أما من الناحية المهنية، فلدينا تجربة في RT مرتبطة بإعادة نشر المحتوى التلفزيوني نفسه وتزامناً على يوتيوب». هنا، تستشهد الصبية السورية ــ الروسية ببرنامج «اسأل أكثر» الذي وصلت مشاهداته ذات مرة إلى مليون على يوتيوب: «الفكرة أنّ المحتوى التلفزيوني من الممكن أن يُعرض على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن العكس غير صحيح».
كذلك، ترى ميس التي لمست عيوب الإعلام المحلي خاصة عندما انتقلت إلى منبر دولي أن الإفادة من شبكة إخبارية عالمية ينبع من التنوع بالملفات، الأمر الذي يوفّر خبرة واسعة ومراكمة للتجارب في العمل الإعلامي والإخباري بشكل خاص، مروراً بتباين وخصوصية خبرات فريق العمل. سواءً لاختلاف الجنسيات والثقافات والمرجعيات المهنية، إلى جانب ثبات المدرسة الروسية بشكل أساسي، وهذا يعرّض الإعلامي لتجارب مختلفة ويمكنه من الإطلاع على مدارس منوّعة.
أما عن المساحة الشاسعة بين الإعلام المحلي والدولي، فتؤكد أنّ «الموضوع يختلف بين أي منبر محلي ودولي من جميع النواحي، رغم أنّه في مرحلة معينة كان الإعلام العربي يسبق الإعلام السوري من دون أن يكون الفرق كبيراً مثلما نعيشه حالياً... الإعلام عموماً يتطوّر بشكل سريع جداً سواء تقنياً أو من ناحية المحتوى والهوية البصرية. ما يحصل يشبه الخيال، بينما محلياً لا نزال في الحفرة، لأن الكوكب يتطوّر ونحن للأسف نقف في مكاننا». وتتابع محمد: «المشكلة أنّ هناك عقلية تعتقد أنّ الحديث عن الإعلام رفاهية في وقت أن البلد يمرّ بكوارث وأزمات متلاحقة ومتعاقبة لا تنتهي. وهذا كلام مغلوط، لأنّ الأمر لا يستدعي أن نكون سويسرا لكي يصبح لدينا إعلام، بل يجب أن نعتني بهذه المهنة لكي نتمكّن من السير ولو خطوة واحدة نحو الأمام، ونُغيّر ونحاسب... وهذا لا يكون بالاعتماد على صحافة التلميع، حتى نزيد من مصائبنا، وندّعي أن الأمور على ما يرام».
لا يقتصر عمل محمد على غرفة الأخبار، وإنّما تساهم في تقديم برنامجَي «اسأل أكثر» (تناظري بين ضيفين من قطبين سياسيين متناقضين) و«بالتفاصيل». فضلاً عن التغطيات الخاصة التي اشتغلت بها داخل وخارج روسيا. عن هذا الجانب، تقول إنّ «المهنية أمر لا خلاف على ضرورة احترامه والالتزام فيه، لكن ليس هناك حيادية مطلقة في الإعلام، إنّما موضوعية تحترم عقل المشاهد وهذا الشيء يتحقق في عملي الخاص... هنا نسأل عمّا خلفته الحرب الروسية على أوكرانيا من قطيعة لقنواتها وإيقاف حسابات القناة على السوشال ميديا وتغيير سياسات فايسبوك وترك الفرصة أمام من يريد أن يشتم روسيا ويحرّض عليها وعلى كراهيتها، وبالتالي تكريس منطق الكيل بمكيالين والاصطفاف الصريح مع طرف ضدّ آخر في نزاعات دولية، يفترض أن يكون على الحياد فيها».