كان واضحاً في الساعات التي تلت خطاب سعد الحريري أخيراً، اخراج الرجل إعلامياً من مستنقع الطبقة السياسية، ووضعه جانباً. التعاطي الإعلامي الذي تناول اعتكاف الحريري وعزوفه عن خوض الإنتخابات النيابية، تقصدت فيه بعض القنوات ادراجه ضمن حفلة من المبالغات والمديح، تخطت ما يستحق الحدث برمته، الى اسقاطات غير واقعية سعياً نحو الإعلاء من ميزان الرجل سياسياً وشعبياً. هكذا، تناهت الى أسماعنا، عبارات اتسمت بالمغالاة، وبتضخيم خطوة الحريري سياسياً، والإصرار على بقائه في المعترك السياسي، ولو بعد حين. هذا ما شهدناه خلال الأيام الماضية، في النشرات الإخبارية، وبعض البرامج الحوارية السياسية. أمس، وصلنا الى استكمال هذه الحفلة، التي انتقلت من برامج السياسة والحوار الى الترفيه والسخرية. إذ كنا أمام مبارزة بين برنامجين: «صار الوقت» على mtv، و«فشة خلق» على «الجديد». البرنامجان اللذان يبثان في الوقت عينه، تقاطعا مع خطوة الحريري، في ضخّ مزيد من المبالغة والغلو، في اسقاط قراره السياسي على أحداث ضخمة هزت لبنان، كما فعل مارسيل غانم في مقدمة برنامجه، عندما شبه ما حدث أخيراً، بتاريخ 14 شباط، 2005، تاريخ اغتيال رفيق الحريري. وقال متأثراً: «يصعب تخيل المشهد من دون بيت الحريري»، واستذكر لقاءه بالحريري الأب عام 1995، و«الحلم الآذاري» في 2005، واصفاً سعد الحريري «بالجريء والجبار» الذي اقدم على تسويات على حساب ثروته وكرامته. على مقلب «الجديد»، كان برنامج «فشة خلق» يستحضر الزعيم العربي جمال عبد الناصر على شاشته، ليقاطع بعضاً من محطاته ويسقطها على الحريري، كخطاب التنحي، و«الأداء الملفت» للأخير في خطاب الإعتكاف، الذي يمكن أن يصل الى طلاقة عبد الناصر! وأصر البرنامج على نفي خطوة الإنسحاب الكلي للحريري من الحياة السياسية، مشيداً بخطوة الإعتكاف ضمن سياق «الإنسحاب التكتيكي» للعودة مجدداً. واستعان هنا، البرنامج بكلام ليلى عبد اللطيف أخيراً، في ليلة رأس السنة، حين وعدت اللبنانيين، بعودة سعد الحريري بقوة الى الساحة السنية. واللافت هنا، أنّ جلّ هذه البرامج وغيرها، كالبرنامج الساخر «مأخر بالليل» (mtv) الذي حيّى خطوة الحريري، وأبدى تعاطفاً مع قام به، تمتطي خطاب «الثورة» والتغيير. وها هي تتباكى على خطوة الحريري وتعلي من شأنه، لا بل تذهب بعيداً في المحاكاة والإسقاطات، الى السقوط في افخاخ المغالاة والقفز فوق الواقع السياسي.