منذ خروج اسم جورج قرداحي، كوزير للإعلام في الحكومة الجديدة، وهو يتعرّض لحملات سياسية وإعلامية ممنهجة، تستغل تارة هفوات تلفظ بها بخصوص الحريات الإعلامية، وطوراً تعيد نشر تصريحات أدلى بها في السنوات الخالية، تضمنت مواقف سياسية واضحة، سيما تلك المتعلقة بالحرب السورية. أمس، بلغت هذه الحملات أوجّها، مع تسريب متعمد لمقاطع من برنامج «برلمان شعب» الذي تبثه «الجزيرة أونلاين»، حيث يظهر قرداحي الى جانب مجموعة شبان وشابات، راحوا يستجوبونه حول قضايا مختلفة، من ضمنها العدوان الخليجي على اليمن، والتطبيع مع كيان الإحتلال. كان واضحاً من عملية التسريب التي نشرتها مواقع الكترونية معروفة تدخل ضمن جوقة الحملات التحريضية على قرداحي، انتقاء مقاطع معينة، مثيرة للجدل أدلى بها وزير الإعلام في الخامس من آب (أغسطس) الماضي، أي قبل دخوله المعترك الحكومي. لعلّ أبرزها موقفه من العدوان السعودي والإماراتي على اليمن. إذ رأى في هذا السياق، بأن الشعب اليمني يدافع عن نفسه، واصفاً الحرب بـ«العبثية»، وأكد كذلك أنّ «الحوثيين يدافعون عن أنفسهم في وجه اعتداء خارجي». مع تسرّب هذه التصريحات التي لا تدين صاحبها، بل تعبّر عن وجهة رأي معينة، شرعت بعض القنوات المحلية، الى إشعار اللبنانيين على هواتفهم النقالة، بأن «أزمة ديبلوماسية خليجية» مع لبنان بدأت تلوح في الأفق على خلفية هذه التصريحات، لتكبر كرة الثلج اليوم، وتبدأ بحركة سفراء الخليج في بيروت (الإمارات، السعودية، اليمن، الكويت..)، ولا تنتهي عند بيان وزارة الخارجية اللبنانية، التي انتقدت تصريحات قرداحي، وذكّرت بإدانتها لـ «الهجمات الإرهابية» التي استهدفت السعودية، معتبرة أن كلام وزير الإعلام «شخصي» لا يعكس موقف الحكومة. بدوره، رفض رئيس الوزارء نجيب ميقاتي هذه التصريحات، وأعلن في بيان، «تمسك لبنان بروابط الأخوة مع الدول العربية الشقيقة والمحددة بشكل واضح في البيان الوزاري للحكومة الذي ينطق باسمها ويعبّر عن سياستها وثوابتها رئيس الحكومة والحكومة مجتمعة». هكذا، تحرّكت الماكينات الإعلامية والسياسية، واحتل اسم جورج قرداحي صدارة التداول على تويتر اللبناني، لتفتح جوقة عارمة من الهجوم والتصويب المباشر، وتذلل للسعودية ودول الخليج، وتطالب قرداحي بالإعتذار، علماً أن غالبية هؤلاء، يتنطحون على الدوام للحريات الإعلامية فما بالنا أمام رأي سياسي واضح، يمارس عليه اليوم، شتى أنواع الترهيب والشيطنة! قرداحي الذي وجد نفسه وحيداً، إزاء هذه الحملات الممنهجة، غرّد موضحاً أن المقابلة أجريت قبل شهر من تعيينه كوزير للإعلام، وأنه لم «يقصد أي شكل من أشكال الإساءة الى السعودية او الإمارات»، ولفت الى أنّه يعرف الجهات التي تقف خلف هذه الحملات، مؤكداً في الوقت عينه، موقفه من الحرب على اليمن، مضيفاً أنّ وصفه لها بـ «العبثية» أتى عن «قناعة». ولدى خروجه من اجتماع «المجلس الوطني للإعلام» الذي كان مقرراً مسبقاً لبحث الواقع الإعلامي وتقديم «رؤية إعلامية»، انتقد قرداحي الذين يدافعون عن الإعلام والرأي، وبدأوا الهجوم عليه، واستذكر حادثة اتهامه بقمع الإعلام عندما كان عائداً الى بيروت، ليتسلّم منصبه، واليوم يقومون بقمع آرائه، وإدانته، على كلام قاله قبل أن يصبح وزيراً. بدوره، شدّد رئيس المجلس عبد الهادي محفوظ (الذي يبدو أنّ مجلسه أفاق متأخراً لبحث الوضع الإعلامي) على «النقد المطلوب» ودور الإعلام في «التصويب»، وعلى الإلتزام بالبيان الوزاري الذي «تطرق إلى بناء علاقات جيّدة مع الدول العربية»! في مقابل هذه التصريحات الخجولة، وتلك المنبطحة على السوشال ميديا لدول الخليج، استنكرت لجنة «دعم الصحافيين في جنيف» (JSC) «حملة الترهيب وخطاب الكراهية» التي تعرض لها الإعلامي اللبناني جورج قرداحي على خلفية تعبيره عن رأيه في الحرب على اليمن. وذكرت بضرورة الإلتزام بميثاق شرف الصحافيين واحترام الحق في حرية الرأي والتعبير، بخاصة أنّها «لم تتضمن أي انتهاك للكرامة الإنسانية ولم تتضمن أي تحريض على الكراهية أو العنف أو زعزعة أمن أي دولة». واعتبر البيان أنّ حملات «الترهيب وخطابات الكراهية» تخالف كل القواعد والقوانين والاتفاقات الناظمة لعمل الصحافة وتعتبر «مساً خطيراً بكرامة وسلامة الصحافة والصحافيين».