«الموت البطيء في مدينة بيروت التي تنعدم فيها الحياة»، عبارة أرفقها المصوّر زكريا جابر بالصورة التي تداولها العشرات قبل أيام على وسائط التواصل الإجتماعي، ودخلت في دائرة «التراند». عبارة حملت معاني سياسية وانسانية عالية، خاصة أنها ألصقت بصورة لأربعة أشخاص يفترشون إحدى شرفات منطقة «الأشرفية» في بيروت المظلمة جراء انقطاع التيار الكهربائي. صورة من شأنها أن تثير تعاطفاً في السياق الذي وضعها جابر فيه، وأراد من خلالها، ايصال رسائل سياسية واجتماعية تنقل معاناة اللبنانيين في الصيف الحار. لكن سرعان ما اصطدمت بجدال حاد على السوشال ميديا، صوّب على خرق خصوصية هؤلاء النيام الذين لم يمنحوا الشاب الإذن بتصويرهم وبنقل صورتهم الفوتوغرافية الى الفضاء العام. نعود بعد هذه المعمعة، الى قصة أخرى منسلخة تماماً عن سياق الصورة الأصلية، قام بنشرها أمس، المصور على صفحاته الإجتماعية، إذ بدا في صورة منشورة له سعيداً برفقة الأشخاص الأربعة، ودوّن بالإنكليزية :«A picture with the famous four sleeping on the balcony. My new friends Nicolas, Manon, Maxime, Aglaée and we are happy about the photograph»، معبّراً عن فرحه باجتماعه بهؤلاء الذين تبين أنهم زوار فرنسيون الى بيروت، يعملون ضمن Les Scouts et Guides de France ( جمعية الكشافة و الإرشاد في فرنسا)، بمعية جمعية arc en ciel. هكذا، وفي أقل من أربع وعشرين ساعة، انقلب المشهد، واضحت الصورة الصحافية التي أرادت حمل رسائل سياسية واقعية وموجهة، واحداث تأثير في المجتمع اللبناني، أو حتى خارج الحدود، تحولّت الى أخرى استعراضية، تنقل الإبتسامات المتبادلة بين المصوّر و«أصدقائه» الجدد، وتنسف في الأصل الفكرة التي قامت عليها الصورة الأصلية. هكذا، نضحي بفضل هذه المنصات الإفتراضية، وروادها، أمام تلاعب فاضح في الحقائق، واختلاق سياقات لا تمت للواقع بصلة. صحيح أن النوم على الشرفات بات الملاذ الوحيد للبنانيين، هرباً من انقطاع الكهرباء وتقنين المولدات، وصحيح أيضاً أننا أمام واقع سياسي فاسد بكل ما تحمله العبارة من معان، لكن، في المقابل، وجب التوقف عند هذه الظواهر التي تدخل في لعبة «التراند»، وتطيح بالوقائع، لصالح لعبة الاستعراض والاستخفاف بأننا من خلال لقطة مصوّرة يمكننا صناعة واقع فوق الواقع الأساسي، وبعدها التنصل من هذا السياق، وتجميل «الموت البطيء» الذي تحدث عنه زكريا جابر في صورته الأساسية.