قبل المقابلة المسجلة التي بثتها «الجديد» يوم الجمعة الفائت، مع السفيرة الأميركية دوروثي شيا، في برنامج «هنا بيروت»، تقصدت المحطّة بأن تثير حولها ضجة إعلامية من خلال تكثيف الترويج لها عبر المنصات الإفتراضية، وأيضاً من خلال استخدام خدمة الأخبار العاجلة على هواتف اللبنانيين، لإعلامهم بقرب موعد بث المقابلة، وامطارهم بعدها بوابل من مضامين تلك الحلقة التي استمرت نحو عشرين دقيقة. مضامين أُقحمت أيضاً في مقدمة نشرة الأخبار وفي تقرير إخباري مسائي حمل أبرز ما قالته السفيرة. في هذا اللقاء الذي أخرج شيا للمرة الأولى من عوكر ونقلها الى المصيطبة، مقرّ القناة، التي احتفت بدورها، بمرور عام كامل على تولي السفيرة مهامها في لبنان، بدت الأخيرة، على منسوب وقاحتها السابقة على شاشات أخرى، أكثر خجلاً من الدخول في تفاصيل الأوضاع الحكومية اللبنانية، التي تمحور حولها الحديث، والتزامها ببروتوكولات الديبلوماسية وأعرافها. في المقابل، كنّا أمام أسئلة ملقّنة لمحاورتها ليال سعد التي راحت تقرأ ما كتب لها على ورقة، وتدخل شيا في أسئلة حول تشكيل الحكومة وتعطيلها، وحول الثلث المعطل. ولعلّ السؤال الأوقح (الملّقن) لسعد، عندما توجهت إلى شيا، وطلبت منها «تقييم عهد ميشال عون الرئاسي»، لتنفض السفيرة يدها من هذه الورطة، وتحيل السؤال الى الشعب اللبناني، المعني بهذا الأمر. السؤال عن عهد عون، استُتبع بآخر، عن قائد الجيش جوزيف عون، والتركيز على علاقته المتينة بالإدارة الأميركية، وما إذا كان مرشحاً جدياً للرئاسة اللبنانية. هنا، أيضاً، فضلت شيا أن تظل في «منطقة الأمان» ولا تعطي محاورتها المزيد من المعلومات حول الدعم الشخصي لقائد الجيش. وانتقلت بدورها، الى أرقام المساعدات التي قدمتها للجيش اللبناني، وتأكيدها على وقوف الإدارة الأميركية الى جانب الشعب اللبناني. طبعاً، اللقاء هدف الى التصويب أيضاً، على قضية الناقلات الإيرانية التي تحدث عنها السيد حسن نصر الله، واستجلاب المحروقات من ايران، بدل إذلال اللبنانيين. وقد نقل على شاكلة سؤال الى شيا، التي اتهمت ايران بتحويل لبنان الى دولة تابعة، واستغلال أزماته لـ«تنفيذ أجندتها». كلام ما فتئت أن ردت عليه أمس، السفارة الإيرانية في بيروت، وقالت بأن ناقلات النفط الإيرانية ان وصلت الى بيروت، ستصل بغض النظر عن «تفاهات» السفيرة الأميركية، وأكدت على وجوب أن لا تتدخل في العلاقات الأخوية التي تجمع بين لبنان وايران. في المحصلة، نصّبت «الجديد» نفسها كمنبر يرّوج للمواقف الأميركية وتقصّدت فتح السجال أو حتى احتدام المواقف بين الأطراف الإقليمية حول طرق إيجاد الحل لأزمة المحروقات في لبنان. وكان واضحاً سقوط رهانها على تصفية حساباتها مع «العهد» والإعلاء من شأن قائد الجيش من البوابة الأميركية في هذه المقابلة نظراً إلى عدم تجاوب السفيرة. وبقيت طبعاً في كل هذه المعمعة، صورة تعكس مزيداً من الإنحطاط الإعلامي الذي بدا هذه المرة مفضوحاً في تخصيص مساحات لسفراء وتكريس عرف تخطيهم لمهامهم في الأصل في التدخل في الشؤون الداخلية وفرض وصاية واضحة، واعتبار هذا الأمر عادياً في الأداء الإعلامي، الذي عكس بدوره، دوراً ضعيفاً للمحاور وتغييب أي مساحة نقدية مطلوبة، فيما يخفي بالطبع، لعبة الأجندات والتمويل السياسي.