«ميلاد الفجر»:
عودة إلى زمن الانتفاضة الأولى
ردّاً على الأعمال الدراميَّة التي أنتجها العدو أخيراً في إطار سعيه الدائم إلى نقل الواقع بصورة معكوسة، وتلميع صورته، وتشويه صورة المقاومة، وصنع أعداء وهميين للأمة، ومنها مسلسلَا «فوضى» و«طهران»، وبعض الأعمال الدراميَّة العربيَّة التي تساوقت مع المحتل وتهافتت لتزيين وتبرير انزلاق بعض الأنظمة العربيَّة إلى التطبيع، جاء «ميلاد الفجر» ليمسح كل مساحيق التجميل التي تحاول الدراما الصهيونيَّة ومعها بعض الدراما العربيَّة وضعها على وجه العدوّ، لتظهر بشاعته التي خبرها الفلسطينيّون أكثر من سواهم. المسلسل مستوحى من أحداث حقيقيَّة وقعت بين عامَي 1985 و1996 تمَّ سبكها في قالب درامي كفيل باجتذاب المُشاهِد، وتدور حكايته حول جهاد (غسان سالم) الذي يتعرَّض للاعتقال والتعذيب مرَّتين لأسباب واهية منها كسره قرار حظر التجوال لنقل ابنه المحموم إلى المستشفى في حالة طارئة، ليخرج من هذه التجربة أكثر حماسة لفكرة المقاومة وإصراراً على مواجهة العدوّ بكل الأساليب المتاحة، ويكون له دور كبير في توجيه ضربات مؤلمة إلى العدوّ. وقبالته نرى «البطل المُضاد» أفيكتور (جواد حرودة) وهو الضابط الإسرائيلي الاستثنائي بقسوته وبطشه وإخلاصه لدولته المزعومة، لتتحوَّل المواجهة إلى ما يشبه ثأراً شخصيّاً، ويسفر صراع الأدمغة بين الطرفين عن تصاعد درامي مشوّق يستمرّ حتى نهاية المسلسل.
ويتناول أحد خطوط العمل حياة الأسرى منذ لحظة الاعتقال مروراً بالتعذيب الجسدي العنيف داخل غرف وأقبية التحقيق، والعزل الانفرادي، والحرمان من الزيارة ومن أبسط الحقوق الإنسانيَّة كالرعاية الطبيَّة، وغيرها من سياسات القهر التي تمارَس بحقّهم، ومحاولة بعضهم المستمرَّة لكسر القيود بما تيسَّر لهم من وسائل بدائيَّة.
ويضيء المسلسل على أصالة الأسرة الفلسطينيَّة وتمسّكها بأرضها وسعيها لتأمين العيش الكريم بالتوازي مع مواجهة المعتدي بشتى السبل. كما يسلط الضوء على حياة اللاجئين، ودور المقاومة في الخارج مروراً بلبنان وسوريا وطهران، ويتضمَّن رسائل تحضّ على نبذ التعصّب الديني والمذهبي وضرورة اتحاد المسلمين والعرب خلف قضيَّتهم المركزيَّة فلسطين.
«ميلاد الفجر» يتصدّى في جزء منه للتخابر مع العدوّ إبَّان الانتفاضة، و«بوَّابة السَّماء 2» يقارب تهافت بعض الأنظمة العربيَّة إلى التطبيع
ولا تغيب القضايا الاجتماعيَّة عن أجواء العمل، فيحضر الطمع، والحسد، والتخابر مع العدوّ، وغيرها من الآفات التي يعالجها بصورة فنيَّة مبيّناً خطورتها ومشرّحاً أسباب الوقوع فيها ضمن قالب دراميّ مناسب بعيداً من الوعظ والمباشَرة.
وتجسّد بعض مشاهد المسلسل المواجهات العسكريَّة التي خاضها المقاومون في وجه العدوّ في تلك الفترة، بسويَّة مقبولة وصورة جذَّابة رغم الموازنة المحدودة.
وبالحديث عن الموازنة، يشير كاتب النص زكريا أبو غالي لنا إلى أنَّ عدداً كبيراً من العوائق واجهت فريق العمل أثناء إنجاز المسلسل، أبرزها عدم وجود المعدَّات السينمائيَّة الكافية، بسبب التضييق الذي يمارسه الاحتلال على إدخال معدَّات مماثلة إلى قطاع غزَّة لإدراكه أهميَّة الدراما والسينما في الصراع ومدى الضرر الذي يمكن أن يلحق بصورته إذا ما جُمعَت بعض التقنيَّات إلى الإمكانات البشريَّة الفلسطينيَّة في هذا المجال، بحيث يستلزم إدخالها تقديم طلب يستغرق البتّ به فترة طويلة وغالباً ما يواجَه بالرفض.
ويشكو أبو غالي من قلة عدد الممثلين في القطاع، واعتماد من وُجِدَ منهم على التعلم الذاتي وبعض الدورات ووُرش العمل السريعة هنا وهناك في غياب أيَّة كليَّات أو معاهد تُعنى بتدريس التمثيل والكتابة الدراميَّة والإخراج، ما خلا قلة أُتيحَت لها الدراسة في الخارج، فضلاً عن ضعف القدرات الماليَّة. ويشير إلى أنَّ فريق العمل واجَه أيضاً معضلة في توفير مواقع تصوير تتناسب مع الحقبة الزمنيَّة التي يتناولها والتي تفصلنا عنها عشرات السنين لعدم وجود مدينة إنتاج. إذ أُنجِزَت عمليَّات التصوير في أحد مخيَّمات قطاع غزة، مؤكداً أنَّ الأمر لم يكن سهلاً بسبب ضرورة إخلاء المخيَّم من ساكنيه طوال فترة التصوير. وقد زاد الأمر تعقيداً أنَّ العمل يعرض أربع بيئات مختلفة من حيث الشكل والجوهر واللهجة، وهي: قطاع غزة والضفة الغربيَّة والداخل المحتل ودول الشتات، وهو ما تطلَّب جهداً إضافيّاً من حيث تأمين أماكن التصوير والبيئة الجغرافيَّة المتناسبة مع الطبيعة الجبليَّة الصخريَّة لتلك البلدان، فضلاً عن اللهجة.
وبحسب أبو غالي، فإنَّ اسم «ميلاد الفجر» يستبطن دلالةً على إرهاصات الانتفاضة الأولى، التي اندلعت بعدما اعتقد الاحتلال أنَّ الفلسطينيين استسلموا لفكرة التعايش معه تحت تأثير فرص العمل والأموال التي أُغدِقت عليهم، ليأتي من يشعل شرارة مواجهةٍ كانت بمثابة ميلاد فجر المقاومة والصمود، وفاتحة للنصر القادم.
ويؤكّد أبو غالي لـ «الأخبار» أنَّه باشر بكتابة الجزء الثاني من المسلسل الذي يُفترض أن يرى النور في شهر رمضان المقبل، في إصرار على تحدّي العقبات التي تواجهها الدراما الفلسطينيَّة.
«بوَّابة السَّماء 2»:
القدس في قلب غزَّة!
إذا كان «ميلاد الفجر» يتصدّى في جانب منه لمسألة وقوع بعض ضِعاف النفوس في مستنقع التخابر مع العدوّ إبَّان الانتفاضة والتداعيات الخطيرة للعَمالة على المجتمع الفلسطيني والأذى المباشر الذي تلحقه بقوى المقاومة، فإنَّ «بوَّابة السَّماء 2» الذي يختلف عنه لجهة كونه معاصراً، قيّضَ له أن يواكب خيانةً من نوع آخر وهي تهافت بعض الأنظمة العربيَّة إلى التطبيع مع العدو. وتدور أحداث المسلسل في القدس، وتحديداً في حارة «باب السلسلة» القريبة من المسجد الأقصى التي تتعرَّض للاعتداءات الإسرائيلية أكثر من غيرها من الحارات المقدسيَّة الأخرى، علماً أنَّ فريق العمل تغلَّب منذ الجزء الأوَّل على منع تصوير أحداث المسلسل في القدس بإنشاء مدينة تحاكي أزقة المدينة المقدَّسة ودروبها في القطاع المحاصَر، رغم قلة الإمكانات. ويضمّ «بوَّابة السَّماء 2» نخبة من ألمع نجوم الدراما الفلسطينيَّة أبرزهم: محمد مدوخ، وائل معروف، وليد أبو جياب، حسن الخطيب، جواد حرودة، محمد أبو الروس، سليم السحلوب، ريم كمال، صفاء حسني وسالم الأبيض.
وكان الجزء الأوَّل قد عالج قضايا عدَّة يعانيها المقدسيّون أبرزها الاعتقالات والتهجير وتزوير أوراق المنازل واستيلاء الاحتلال عليها بغير وجه حق، والضرائب الباهظة المفروضة عليهم، بالإضافة إلى منع الاحتلال للمصلين من دخول المسجد الأقصى مقابل السَّماح للمستوطنين بتدنيسه بشكل يومي، مروراً بوضع المسيحيين في القدس باعتبارهم شركاء في المعاناة في ظل خطة الاحتلال الممنهجة لطرد كل من هو غير يهودي من المدينة المقدَّسة.
أمَّا الجزء الثاني فيتناول - إلى جانب التطبيع وتبعاته الخطيرة - تهويد المناهج التعليمية، وإلغاء بعض المواد الوطنيَّة من المناهج الفلسطينيَّة. كما يطرح العلاقات الأُسريَّة بين المقدسيين، إضافةً إلى قضيَّة تفجير المسجد الأقصى لبناء الهيكل، ووقوف المقدسيين في وجه هذه المخططات التي يتطلع الاحتلال لتحقيقها، حيث ينحاز العمل إلى منطق التشويق المبكر من خلال تقديم مشهد مطاردة شرطة العدوّ لعابد (رائد قنديل) في أزقة القدس في الحلقة الأولى لامتلاكه ملفات خطيرة حول تلك المخططات تدفعها أخيراً إلى تصفيته بعد تعذّر اعتقاله. لكنّ «يسرائيل» (علاء قدوحة) عضو الكنيست الذي يشرف على تنفيذ العمليَّة يكتشف أنَّ شاباً مقدسيّاً آخر هو «حُسام» يوثّق كل شيء عبر تصويره بهاتفه الجوال من نافذة منزله بما في ذلك الاتصال الذي يجريه يسرائيل مع الحاخام (حسن الخطيب) ويتحدَّث فيه عن أسباب قتل عابد والمستندات الخطيرة التي يمتلكها، فيتمكَّن عناصر شرطة العدوّ بعد مطاردة طويلة في أزقة القدس القديمة وعلى أسطح منازلها المتلاصقة من إصابة حُسام برصاصات عدَّة واعتقاله وهو بحالة حرجة. ولكنه يكون قد نجح قبل ذلك في دسّ بطاقة الذاكرة العائدة لهاتفه داخل حقيبة أحد الطلاب العائدين من مدارسهم ليتولى الأخير إيصالها إلى المدرّس إسماعيل «المرابط» (محمد مدوخ) والطبيب (وائل معروف) فيبدأ الأخيران محاولاتهما للوصول إلى الملفات المذكورة في إطار من التشويق.
الحلقات الأولى من «بوَّابة السَّماء» تنبئ بعمل مختلف عن كل ما أنجزته الدراما الفلسطينيَّة من قبل، فهل سيبقى وتر التشويق مشدوداً حتى النهاية بالوتيرة ذاتها، وإلى أين سيصل الصراع بين «المرابط» و«الحاخام»؟
«بوَّابة السَّماء»: 14:30 و 23:30 على «المنار»
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا