هي ليست لعبة إعلامية أو كشف حقائق لشعب اجتمع عليه القريب والبعيد، حتى صار للصهاينة موطئ قدم يسرحون ويمرحون في البلاد التي سقيت بالدم والدموع في سبيل حرية مشروعة، بل هو الانتقام القطري من النظام البحريني الذي لازال يتردد صداه على مدى يومين بعد عرض برنامج «ما خفي أعظم» على «الجزيرة» القطرية، الأحد الماضي. التحقيق الاستقصائي وان كان شهادة متأخرة حمل عنوان «اللاعبون بالنار»، علقت عليه الخارجية البحرينية بأنّه حلقة جديدة من «تآمر دولة مارقة على مملكة البحرين» ويدعو مجلس التعاون الخليجي لردع قطر.عمل الإعلامي الفلسطيني تامر المسحال على مدى 52 دقيقة من عمر البرنامج القطري على كشف وتقديم «شهادات حصريّة» و«تسجيلات سرّية» لمخطط سري أشرف عليه 3 من كبار مسؤولي جهاز الأمن الوطني في البحرين منذ العام 2003 مع قيادات في تنظيم «القاعدة» بهدف اغتيال قادة سياسيين في المعارضة البحرينية (شيعة)، على رأسهم المعارض البارز عبدالوهاب حسين. وكل ذلك بتكليف مباشر من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة. والكشف الثاني فضح كيف وظبت أجهزة الأمن البحرينية على عملية نقل بعض الأسلحة إلى دوار اللؤلؤة (2011) ومن ثمّ قامت بتصويرها واتهام المعتصمين السلميين.
المسحال كشف عن تدخل ملك البحرين شخصياً لدى السلطات السعودية التابع لها، للإفراج عن السلفي محمد صالح قائد خلية الاغتيال، الذي ألقي القبض عليه في السعودية بينما كان يسعى ـ بتكليف من جهاز الأمن البحريني ـ للاتصال بقادة «القاعدة» في الجزيرة، للحصول على أسلحة لتنفيذ المخطط الملكي القذر. صالح قدم وثيقة مسجلة عرضها البرنامج تقول إنّ عمله كان استهداف «الرافضة» خدمة للوطن والملك، ينقل لنا السلفي المقيم في البحرين حتى اليوم، قول الضابط البحريني عدنان الظاعن له إنّ «البحرين في وضع خطير وأمورنا متأزمة ويمكن لكم كأفراد في «القاعدة» أن توقفون تقدم الشيعة».
كما عرض للمرة الأولى تسجيل لهشام هلال محمد البلوشي الذي اعترف في تسجيل آخر بأنّ الحكومة البحرينية جندته للقيام بمهمات تجسس وتخريب داخل الجمهورية الإسلامية العام 2006، قبل أن تقتله السلطات الإيرانية في عملية خاصة العام 2015 بعدما ظهر في تسجيل لتنظيم «أنصار الفرقان» الإرهابي.

وفي مقابلة مع المقدم في الأمن البحريني ياسر الجلاهمة الذي كان قائد الكتيبة الأمنية التي فضت اعتصام «دوار اللؤلؤة» وسط المنامة في 16 آذار (مارس) 2011، أكد الجلاهمة في البرنامج أن السلطات البحرينية زودتهم بمعلومات غير صحيحة، عن كون المتظاهرين مدججين بالأسلحة والقنابل، مما جعل كتيبته المدججة المكونة من حوالى 700 جندي تظن أنها ستواجه قوة عسكرية مسلحة، لكن بحسب قول الجلاهمة الذي خرج من البحرين واستحصل على الجنسية القطرية، كانت المفاجأة بخلو خيم ومنامة المحتجين من أي قطعة سلاح عدا عدم المقاومة. وأضاف أنّ «الأسلحة التي عرضتها التلفزيونات البحرينية وضعت في مكان الاحتجاج بعد فضه وقد سحبت بعد تصويرها»، كونه شاهداً على ذلك، وهذه المرة الأولى التي يكشف فيها ضابط منشق عن زيف الادعاءات الأمنية للنظام الخليفي.
ومن ضمن الذين قابلهم البرنامج المستشار السابق في الديوان الملكي البحريني صلاح البندر الذي أشرف على إعداد «تقرير البندر» الذي صدر عام 2006، وكشف فيه تشكيل النظام البحريني خلايا لتصفية المعارضة البحرينية، كما تحدث البندر التي تفاخر بتكوينه ثروة صغيرة من عمله عن تأسيس السلطات البحرينية جمعيات بغطاء مدني بتمويل من الديوان الملكي، تتولى تحشيد وتخويف «أهل السنة» بالبحرين كونهم مهددين من خطر المكون البحريني الأكبر.
وفي تعليق، كشف جون كرياكو المسؤول السابق في وحدة مكافحة الإرهاب في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، فشل السلطات البحرينية في تقسيم المعارضة، مشيراً إلى أنه حين اعتقلت المخابرات الأميركية عام 2002 القيادي في تنظيم القاعدة أبو زيد، وجدت معه أرقام هواتف 3 شخصيات من العائلة المالكة السعودية. وبمجرد العلم قـُتل منهم اثنان بطريقة غامضة واختفى الثالث لضمان عدم فضح علاقة بيت سعود بـ«خلق تنظيم القاعدة».
هذا ورداً على «إساءة قطر»، وصف وزير شؤون الإعلام البحرينية، علي الرميحي، محاولة معد البرنامج الاتصال به لإعطائه فرصة الرد بأنه «قلّة سنع». فيما تداولت أوساط بحرينية ضغط السلطات على ثلاث عوائل بحرينيّة ظهر أفرادها في البرنامج وهي البلوشي، الجلاهمة والبوفلاسة من أجل إصدار بيانات يتبرأون فيها من «جريمة» ظهور أبنائهم في الفيلم، بمن فيهم الموتى المغرر بهم.
الفوضى وخطر التلويح بالحرب الطائفية والتخطيط لها من أعلى مستويات الدولة كانت الطريقة الوحيدة التي خرج بها ملك البحرين لدفع المعارضة ذات الأغلبية الشيعية للقبول بالأمن مقابل ضمان كرسي الحكم وبدعم سعودي سمم كل هواء البلاد الصغيرة، لكن هذه البلاد التي يلعب نظامها بنار التنظيمات السلفية ستحرق عباءته المطرزة بالذهب نار «داعش» و«القاعدة» كما حرقت بلاداً بأكملها في سوريا والعراق.
من جهته، علق الكاتب البحريني عقيل سوار، على الوثائقي القطري بالقول: «لا جديد في جديد «الجزيرة»، معظم ما جاء في التقرير كان معروفاً ومنه خصوصاً خلو أيدي معتصمي الدوار من السلاح. ولفد كنت بين أول من دخل تلفزيون للحديث بعد فضَ الدوار، فعرض علينا فيلم توثيقي قصير ظهر فيه مسدس على طرف خيمة وسيف مرمي على الأرض (تم عرضهما في فيلم «الجزيرة»)، فقلت لوزير الإعلام في حينه الأخ فواز بن خليفة: أتمنى أن لا يعرض التلفزيون هذه المشاهد، لأني سوف أقول ما لا يسر.. لاحقاً، تشكلت عندي قناعة ولازمة أوصلتها لوزير الخارجية والداخلية وغيرهما.. مفادها اذا أردتم إخراج أفلام وهذا مشروع لكم، استعينوا بمخرج مسرح أو سينما محترف، وليس رجل أمن».