في الذكرى السنوية الأولى لوفاة الفنان الكويتي عبدالحسين عبدالرضا (1939 ـــ 2017)، عرضت قناة «العربية» أخيراً برنامجاً وثائقياً من جزءين يحكي سيرة الفنان الراحل، حمل عنوان «هذا حسينوه» (إخراج دعاء الأشقر)، سلط الضوء على تحولات الخليج قبل النفط وما بعده، وانعكاسات ذلك على ما قدمه «عملاق الكوميديا» الخليجي أو «حسينوه» أشهر أدوار عبدالحسين في أشهر عمل خليجي على مر عقود، أي مسلسل «درب الزلق» (1977 ـــــ إخراج حمدي فريد ـ تأليف عبد الأمير التركي).محطات الوثائقي العشر، بدأت مع ولادة طفل ورث الحس الكوميدي ومارسه بالفطرة. ولد في عام 1939 لأب يعمل «نوخذه» أي قائد سفينة تعمل بين الموانئ لنقل البضائع. وكان لوالد عبدالحسين فرقة موسيقية يغني معها على السفينة التي يعمل عليها. بعد وفاة الوالد، أجبرت العائلة الكبيرة الطفل الذي لم يبلغ عامه الـ16 على العمل موظفاً في الميناء مرة، وبائعاً للشاي لأصحاب سيارات نقل الركاب الجوالة بين المدن مرة أخرى. يقول ابنه بشار عن نجاح والده في نقل وتقديم هموم مجتمعه الكويتي: «في أدوار الغني ما يقنعك، في أدوار الفقير يتألق، لأنه ولد فقيراً أبدع في ثوب الفقير».
أنهى عبدالحسين مرحلة التعليم الثانوي في مدارس «المباركية» حيث تم اختياره من قبل مسؤول النشاط المدرسي الخاص بالمسرح، لأداء مشاهد تمثيلية كوميدية من اختيار المدرسة. يومها، انشغل مؤسس البلاد عبدالله السالم الصباح بوضع الكويت على سكة التحديث عبر وضع دستور للبلاد وإنشاء مدارس ومراكز تعليمية وصولاً إلى بناء العديد من صالات المسرح. وقد تمكن مؤسسوه من رصد التحولات الهائلة التي عصفت بالمجتمع والحياة مع بدء طفرة النفط، وكان لعبدالحسين عبدالرضا دور كبير في ذلك.
بعد «المباركية»، التحق عبدالحسين بالعمل في قسم الطباعة في وزارة الإعلام الكويتية التي ابتعثته لدراسة فنون الطباعة في مصر. كانت الشعوب العربية حينذاك تعيش فترة المد القومي، ولم يسلم عبدالحسين من تلك «اللوثة»، فتشرّب الأفكار القومية وحمل هموم الوطن العربي حتى آخر أيام حياته.



في سنة 1956، وقع العدوان الثلاثي على مصر. يومها، قرر الشاب الكويتي الالتحاق بالمقاومة الشعبية وتدرب على حمل السلاح. أصيب إصابة طفيفة بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي لأحد المواقع، واعتبر في عداد الشهداء. لكنه عاد وفاجأ الجميع حين دخل صالة تأبينه في «جمعية الكويت الثقافية» في القاهرة. يومها تم خصم شهر من راتبه باعتباره متغيباً وليس شهيداً! برز وعي عبدالحسين عبدالرضا العربي في مسرحية «باي باي يا عرب» (1986)، بما حملت من نقد قاس للواقع العربي وحلم الشعوب بالوحدة.
التأثير المصري طبع عبد الحسين. انبهر ابن البحر بالفنّ، وكان يقتطع من مصروفه القليل لحضور أعمال نجيب الريحاني وإسماعيل ياسين. مرةً، رأى إعلاناً في إحدى الصحف المحلية عن حاجة وزارة الشؤون الكويتية إلى ممثلين للمشاركة في تأسيس «فرقة المسرح العربي» عام 1961، ليتقدم ضمن مجموعة مكونة من 300 شخص، بينهم مريم الصالح ومريم الغضبان اللتان فتحتا أبواب الفن للنساء في الكويت والخليج.
يصور الوثائقي، بداية انطلاقة عبدالحسين مع زكي طليمات ومسرحية «صقر العرب» (1962)، عن عبدالرحمن الداخل، حيث لعب عبدالحسين كممثل بديل. يومها كان الحدث الأبرز ظهور أول مشاركة نسائية في عمل خليجي لمريم الصالح ومريم الغضبان. خصص بعدها الممثل الطموح وقتاً لكتابة أعمال مسرحية باللهجة الكويتية للمسرح والتلفزيون والإذاعة.
بعدها بسنوات، صدر قرار من مجلس الأمة الكويتي يقضي بمنع مسرحية «بوهيلان» (1971 ـ اسمها المسجل «حط الطير طار الطير» لكنها اشتهرت باسم الشخصية التي يؤدها عبدالحسين) التي تناول فيها أنواع الصراع الطبقي بين الفقراء والأغنياء في إطار ساخر وكوميدي. أمر سيتكرر لاحقاً في أعمال عدة لعبدالرضا، عرّضته المسرحية لمعركة قضائية ومحاكمة شهيرة. وتمت إعادتها إلى العرض بطلب من أمير البلاد صباح السالم الصباح، لتخرج عناوين الصحافة يومها بمانشيتات كبيرة منها «أعضاء المسرح العربي أقوى من نواب الحكومة».
في مسيرة عبدالحسين 12 مسلسلاً إذاعياً. يومها كان الراديو رفيق السهرة الذي تتحلق حوله العائلات في الكويت والخليج. قدم عبدالحسين في عام 1964 المسلسل الإذاعي «يوميات بو عليوي» الذي انتقل بعد نجاحه الساحق إلى التلفزيون كأول مسلسل كويتي يعرض على التلفزيون الحكومي. وبعد مرور عام على «يوميات بو عليوي»، قدم عبدالحسين أول وآخر أعماله السينمائية الذي حمل اسم «العاصفة». يقول أحد النقاد المشاركين في الوثائقي، إنّ سبب عزوف عبدالحسين عن السينما «كونها تمنعه من ممارسة هوايته المفضلة وهي الخروج عن النص».



يظهر الوثائقي عشق عبدالحسين عبدالرضا للمسرح، إذ اتجه بعد التمثيل والإذاعة إلى الكتابة المسرحية، ودخل تجربة الكتابة المشتركة مع شريكه المفضل سعد الفرج التي تم معها التمرد على نظام «جمعيات النفع العام» الحكومية التي منعتهما من الخوض في السياسة، وعملا على تأسيس فرقة أهلية، كانت أول أعمالها مسرحية «على هامان يا فرعون» (1978)
يروي الفرج حادثة حصلت معهما عام 1975. يومها، اقتحم أمير كويتي جلستهما مع مسؤول خليجي في الكويت، وبادر بحسب الفرج إلى تحذير المسؤول الخليجي من الممثلين بالقول: «مجلس الأمة الأمير يقدر يحله، لكن هؤلاء الذين حولك ما نقدر نحلهم بمرسوم»، محذراً إياه من الحديث معهما، ومن إفساح المجال أمام المسرح في بلاده.
وبين الماضي والحاضر، استعرض الجزء الثاني من الوثائقي، ما حدث للعرب والخليج بعد حرب اكتوبر 1973 والطفرة النفطية. أمر ظهر في أبرز أعمال عبدالحسين، مسلسل «درب الزلق» (1977) حيث جسد المرحلة النفطية والإثراء السريع للمجتمع الخليجي، ما جعله يكتسح الأعمال المصرية والسورية في ذلك الوقت، ويشكل ذاكرة أجيال خليجية لا تزال تستمتع بإعادة مشاهدته. تحولات المرحلة النفطية عاد وجسدها في مسرحية «باي باي لندن» (1982)، التي جاءت رداً على مسرحية بريطانية تسخر من العرب ومن بذخهم في العواصم الأوروبية في السبعينيات القرن الماضي. كما حوى الوثائقي آراء فنانين سعوديين وكويتيين عملوا مع عبدالحسين عبدالرضا، منهم ناصر القصبي وداوود حسين وحياة الفهد واثنان من أولاد الفنان الراحل. وفي المسرح الغنائي، ساهمت مسرحية «هالو دوللي» (1974) مع الممثلة المصرية شويكار، في كشف موهبة عبدالحسين الغنائية، ليعود ويستثمر التلفزيون الكويتي نجاحه في هذا النوع، وينتج له ثلاثية «أوبريت مداعبات قبل الزواج، وشهر العسل، وبعد العسل».
اعتبر وثائقي «العربية» أنّ مرحلة عبدالناصر «مليئة بالخيبات» وحمّل إيران مسؤولية المدّ الوهابي


طبعاً، لا يخلو عمل لتلفزيون «العربية» السعودي ـــ خاصة ما يتناول التحولات في الخليج ـــ من إعادة تلبيس الثورة الإيرانية ما أسمته القناة التابعة لمحمد بن سلمان بـ«عصر الظلمات»، الذي صارت فيه الجماعات الإسلامية المتشددة تنمو كالفطر في كل بلد خليجي. حمل أحد فصول الوثائقي عن حياة من اجتمع عليه كل الخليجيين، عنوان «فاتحة الظلمات» الذي صور فيه انتصار ثورة الخميني بأنها بداية نهاية التعايش في الكويت ودول الجوار. يومها أخرج عبدالحسين عمله المسرحي «هذا سيفوه» (1987)، لينال بسببه حكماً قضائياً بالسجن ستة أشهر ومحاولة اغتيال وحرب شعواء بسبب «تهمة ازدراء الذات الإلهية». منعت بعدها أعماله الفنية التي عُرضت في الستينات والسبعينات، وقيل إنّها حرب على عبدالحسين كونه ينتمي إلى الطائفة الشيعية، رغم نفي الفنان الكويتي جاسم النبهان ذلك بالقول للقائمين على العمل في «العربية»: «كانت الفرق الفنية في الكويت وحدة وطنية مصغرة».
كل تحولات وأزمات الكويت المعاصرة تم تخليدها في أعمال عبدالحسين، من الفساد ونقد الرقابة والأزمات الاقتصادية وانهيار سوق البورصة (الأخيرة كتب لها مسرحية «فرسان المناخ» 1983) إلى سرد قصة احتلال العراق للكويت في مسرحية «سيف العرب» (1992) التي جسد فيها دور صدام حسين. يومها تعرض لإطلاق نار قبل أحد العروض، لكنه أصر على الاستمرار ليقدم أجمل أدواره التمثيلية بعد تجاوزه رصاصة تخطته بمسافة 3 سنتيمترات فقط.
لم يخلُ الوثائقي من الهمز إلى مرحلة عبدالناصر المليئة بالخيبات والخسائر العربية بحسب «العربية»، ولم تنفد الجارة إيران من كونها مسببة للعصر الوهابي الذي ضرب الخليج حتى وصلت أضراره لأبراج الحليف الأميركي. كل هذا لم يمنعنا من الاستمتاع بإرث ومحطات الأب الروحي لهوليوود الخليج، الذي أسهمت أعماله التي تخطت الـ100 في تتويج الكويت عاصمة للفن الخليجي.