يعدّ التخصّص في الإعلام الموجّه إلى النساء مهمّة حسّاسة وصعبة، على عكس ما يظنّ كثيرون/ات، انطلاقاً من دقّة المواضيع والتغطيات ومن الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام في بناء التوجهات والوعي والمواقف والتأثير فيها. منذ بدأ تكوّن وعيي النِّسوي، أو بمعنى آخر الحساسية تجاه قضايا النساء والتمييز اللاحق بهنّ، وأنا أستشعر خللاً بنيوياً في أسلوب مقاربة الإعلام لقضايا النساء وفي الصورة التي يرسمها لدورهنّ في المجتمع، حتّى بتّ على قناعة راسخة بأن الإعلام الجماهيري، وفي الشقّ الذي يصطلح على تسميته الإعلام «النسائي» بالتحديد، هو المساهم الأساس في تسليع النساء وتكريس صور نمطية عنهنّ تؤدي بنحو كبير إلى إعادة إنتاج قسمة الأدوار التقليدية بين النساء والرجال. نظرة سريعة وعامة على مضامين المواضيع والقضايا المعالجة في أبرز البرامج والمواقع والمجلات التي تدّعي التخصص في شؤون المرأة، تظهر مدى تجاهلها لتنوّع توجهات واهتمامات ونماذج النساء في المجتمع وللقضايا الحقوقية التي تمسّهن في مفاصل كثيرة من حياتهنّ اليومية. إذ تُختَصَر شؤون النساء بالطبخ، الأبراج، الموضة، تقنيات التجميل والتنحيف، مشاكل الأسرة والأطفال، سبل إرضاء الشريك وما إلى ذلك من مواضيع تكرّس صورة الأنثى النمطية إرضاءً وتكريساً للعقلية المجتمعية التقليدية والذكورية. في المقابل، تفرد مساحات محدودة ونادرة لمواضيع مرتبطة بحقوق النساء، تشوبها الكثير من العيوب في طريقة المعالجة والتغطية التي تغرق بمعظمها في دهاليز الإثارة وغياب المقاربة الحقوقية. وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا الخلل في تغطية وطرح قضايا النساء تاريخي ومستمرّ بسبب غياب الإرادة الحقيقية لدى المعنيين/ات والسلطات الرسمية لتطوير صورة النساء وتحسين المضامين الإعلامية الخاصة بهنّ، ولتسليم أغلبية وسائل الإعلام لإرادة المعلن والشركات التجارية الرأسمالية اللاهثة وراء الربح السريع عبر استخدام وتسليع النساء من دون الأخذ في الاعتبار أي قيم أو معايير إنسانية أو مهنية أو أخلاقية. مثلاً، عبر البند السابع المتعلّق ببرامج المرأة والأسرة والوارد في دفاتر الشروط النموذجية للمؤسسات الإعلامية التلفزيونية والإذاعية الصادرة عن وزارة الإعلام اللبنانية والمرفقة بالمرسوم رقم 7979 تاريخ 29-2-1996، كفل قانون الإعلام تجاهل تمام كيان المرأة وقيمتها وحقوقها ودورها والنظر إليها فقط كأداة لإسعاد الأسرة والزوج، حيث نصّ صراحةً على أنه «تُعطى المرأة الاهتمام اللازم بما يُساعد على أداء دورها في المجتمع وتأمين سعادة الأسرة».
انطلاقاً من هذا الواقع، سعت جمعية Fe-Male (جمعية نسوية شابة تهدف أساساً إلى تغيير صورة النساء ودعم قضاياهن ومناصرتها في الإعلام) إلى خلق منبر إعلامي نسوي متخصّص في تغطية قضايا النساء والإضاءة على احتياجاتهن بشمولية تتخطّى سطحية المعالجة في الإعلام النسائي. انطلق هذا المنبر تحت عنوان «شريكة ولكن» على شكل برنامج إذاعي استمرّ نحو سنتين عبر أثير إذاعة «صوت الشعب»، رافقته مناصرة إلكترونية لقضايا النساء عبر صفحة خاصة على فايسبوك، ليتحوّل لاحقاً إلى موقع إلكتروني. وقد نجح هذا المنبر على مدى أكثر من ثلاث سنوات في مناصرة ورفع الوعي حول مجموعة كبيرة من الحملات والمنظمات والقضايا الخاصة بحقوق النساء، وفي الدفع باتجاه جعل قضايا النساء أولوية بين المواضيع المطروحة إعلامياً وإدخال نمط جديد من التغطية الصحافية والإعلام المتخصّص يندرج تحت خانة الإعلام النسوي. ولعلّ واحداً من أبرز أهداف «شريكة ولكن» كان تصويب مفهوم النسوية والإعلام النسوي في المجتمع ومناهضة الترويج والأفكار المسبقة حول هذا المفهوم وهذا النوع من التغطيات. إذ إن النسوية، التي هي حركة تهدف إلى رفع الظلم والتمييز والتهميش والقمع وتحقيق العدالة، ليس فقط للنساء بل لجميع أفراد المجتمع المهمشين/ات ومن ضمنهم الرجال على أسس عدّة، منها عرقية أو طائفية أو جنسية أو طبقية، ومن خلفها الإعلام النسوي لا يهدف بأي شكل من الأشكال إلى خلق أي تمييز أو تهميش للمواضيع المرتبطة بالدور الإنجابي للمرأة وباهتمامات شريحة معينة من النساء، ولا إلى إعلان حرب مفتوحة على الرجل، ولا إلى تحريض النساء وغيرها من الادعاءات، بل ينشد رفع الصوت ضدّ المنظومة المجتمعية القمعية والذكورية عامةً التي تشمل نساءً ورجالاً وتخلق فجوة وتمييزاً وعنفاً ضدّ كلا الجنسين كذلك.
لقد آن الأوان للاعتراف بأحقّية قضايا النساء المطلبية وأولويتها، ولمخاطبة توجهات جميع النساء واحتياجاتهنّ بطريقة حقوقية ومهنية، وللعب الإعلام دوره كمكوّن مسؤول للرأي العام وصوت للفئات المجتمعية المهمشة وحقوقها، وليس فقط كمصدّر لتغذية الإثارة والتنميط والعنف والنعرات الطائفية والذكورية... ولعلّ ما نشهده اليوم من مبادرات، وإن كانت لا تزال تعدّ خجولة، من قبل بعض وسائل الإعلام، وبالتحديد في الصحافة المكتوبة، لتغطية قضايا النساء بطريقة حقوقية ومهنية، يثبت أهمية النضال الذي قامت به المنظمات النسائية على مرّ السنوات وتأثير المبادرات النسوية الإعلامية كمنبر «شريكة ولكن» باتجاه تحقيق تغطية وصورة متوازنة وعادلة للنساء وقضاياهن في الإعلام اللبناني.

*صحافية وناشطة نسوية