تستثمر كارلا سالم (1978) إمكانية الحرف العربي كأطروحة أساسية في الحوار الذي تقترحه لهذا الحرف مع الحروف اليابانية. معرضها «حوار بصوت واحد» الذي تستضيفه غاليري «أجيال» يضم تأويلات عديدة لهذا الحوار الذي يأخذ اللوحة الحروفية إلى مستويات جديدة ومتطورة ومعاصرة تتخلص فيها الحروفية كتيار أو تجربة في اللوحة العربية من كسلها اللغوي وزخرفتها التي كانت قائمة على معاني الكلمات وسياقاتها الشعرية والبلاغية أولاً، ومن المقترحات التجريدية والهندسية التي طالتها في مراحل تالية أيضاً. ما ترسمه أو تخطّه الفنانة اللبنانية يتجاوز هذه «الذاكرة» الحروفية إلى البحث عن حيّز أو مساحة للحرف الواحد أو ظلال الحرف الواحد في تجاوره وتداخله مع الحرف الياباني. تتلمذت كارلا سالم على يد سمير الصايغ، أحد أبرز معلمي الخط والحروفية، وهو من شجعها على استكمال دراستها الفنية في اليابان. هناك، وعلى امتداد سبع سنوات من الإقامة والدارسة، راحت فكرة الحرف تختلط أكثر بالورق الذي يُكتب عليه، بخشونة سطح الورقة أو درجة الصقل والنعومة فيها، وكذلك بأنواع الحبر أو اللون أيضاً، وبجماليات تفصيلية أخرى لها علاقة بالحرف الياباني المقابل الذي يمكن أن يحضر مع الحرف العربي. على ورق «واشي» الياباني المصنوع يدوياً، والذي يحظى بإمكانية أن يشفّ في أجزاء منه، وأن يكون كتيماً وثخيناً في أجزاء أخرى، وأن يسمح ذلك باحتمالات عديدة لترجمة الظل والضوء، تزاوج كارلا سالم بين الحرف العربي والياباني، تُدنيهما في بعض اللوحات، وتمزجهما أو تجدلهما معاً في لوحات أخرى. التضاد بين الألوان يُعزز شكلانية أحدهما على حساب الثاني، أو يجعله خافتاً أكثر مقارنة به. في الحالتين، هناك نوع من الصمت أو السّكينة في هذا الحوار المقترح. المزاج الياباني الذي يرشح من الحروف التي لا نعرف معناها يقوي هذا الصمت، بينما تساهم قِيَم الخشوع والبلاغة التقليدية في الحرف العربي في خلق تحالفٍ مماثل تقريباً. مجهولية الحرف الياباني تزيد من القوة الأدائية للوحات المعرض، وتُشعر الزائر بأنها تبث انطباعات مشابهة لما تبثه قراءة قصائد الهايكو، أو ما تُشعرنا به المصنوعات والمصوغات التقليدية الشرق آسيوية من هشاشة ودقة في صناعتها. بهذا المعنى، تبدو تكون فكرة «الحوار» بين أبجديتين، وهي عنوان المعرض أيضاً، مجرد مفتاح لمجموعة هائلة من الترجمات والتأويلات البصرية التي تتوالد من حرفين شرقيين في النهاية، إذْ لا يمكن تخيّل نتائج مماثلة فيما لو كان المقابل الياباني حرفاً لاتينياً مثلاً.
مجهولية الحرف الياباني تزيد من القوة الأدائية للوحات

في تقديمها للمعرض، كتبت كارلا سالم أنه «حوار بين لغتين رئيسيّتين في فكري. حوار يترجم على أوراق صنعت بين يديّ وباللغة التي كنت وما زلت أتعلمها، ولغتي الأم التي لا أزال أتعلمها أيضاً». الفارق بين اللغة الأم واللغة الثانية هو تفصيل آخر يُضاف إلى خصوبة المعرض وثراء تأليفاته التي تحتجب وراء الأداء البصري الذي تقدمه الحروف في تزاوجها وتحاورها بجماليات متعددة.
------------------------------------------------------------------------
* «حوار بصوت واحد»: حتى 23 نيسان (أبريل) الحالي ــ «غاليري أجيال» (الحمرا) للاستعلام: 01345213