الشاشة ملونة فقط حين نشاهد خشبة المسرح. هذه هي بداية فيلم الأخوين تافياني «قيصر يجب أن يموت» ونحن نرى بروتوس عاجزاً عن الانتحار يسأل المحيطين به أن يقتلوه إلى أن يضع السيف في يد الخادم ويعانقه لينغرز فيه. تبتعد بعدها الكاميرا لنرى أنّ ما نشاهده يدور على خشبة المسرح. بعد ذلك، سنجد رجال الشرطة قد أحاطوا المسرح، ورافقوا الممثلين إلى حافلة السجن. هنا سيصبح الفيلم بالأبيض والأسود حتى النهاية عندما يُختتم بالعودة إلى خشبة المسرح فيعود ملوّناً مرة أخرى.
سنعرف أنّ الممثلين ليسوا سوى سجناء، وسيعود الفيلم ستة أشهر إلى الوراء ليرينا «بروفات» المسرحية، وسيكون الاستثمار في السجن حيث التنويع بين «البروفا» والأداء. سيجد الأخوان تافياني معبراً لتقديم هذا العمل المسرحي وفق رؤية متصلة بالواقع الإيطالي يجد معادل الشخصيات الرومانية التاريخية والشكسبيرية كقيصر وبروتوس لدى رجال العصابات، وتحديداً المافيا الإيطالية. جميع مؤدي شخصيات مسرحية شكسبير «يوليوس قيصر» هم من أعضاء المافيا الإيطالية الذين تلتقي تجاربهم الواقعية بالشخصيات التي يجسدونها. وفي سياق متصل، يصرّ مخرج المسرحية على ألا يستخدم السجناء اللغة الإيطالية الفصحى أو المعادل الإيطالي للغة الشكسبيرية، بل يريدهم أن يستخدموا لهجتهم. تتحول الجزالة اللغوية الشكسبيرية إلى تنويع في اللهجات بين نابولي وتورينو والمدن الإيطالية. وينتقل الفيلم إلى التنويع في مواقع التصوير التي لن تتعدّى أسوار سجن «ريبيبيا». سيكون هناك تشظٍّ للحوار وتحريف للوحدات المسرحية الثلاث. قد يعجز كوسيمو ريغا وهو يجسد شخصية كاسيوس عن إكمال الحوار لأنه متصل بما تعرّض له شخصياً، مستعيداً ذلك عبر أسطر شكسبير، بينما لن تكون الأزياء ثياب ملوك وأباطرة رومان، بل إنّ الشخصيات قد تضع سيفاً في الجينز. قيصر أيضاً يرتدي «تي شيرت» أبيض بينما يرتدي ماركوس أنطونيوس تي شيرت أسود. حصيلة ما تقدم معالجة سينمائية مدهشة لمسرحية شكسبير، وبناء نقطة التقاء حصيفة بين السينما والمسرح من دون أن يطغى أحدهما على الآخر. تتحول ساحة السجن إلى ما يشبه المدرجات الرومانية من دون تعديل على تلك الساحة، عدا صراخ السجناء من زنزانتهم منددين بقتل يوليوس قيصر. ستكون الأسوار المحاصرة بالشباك، مكاناً مثالياً لنسج خيوط المؤامرة. ستتماهى الشخصيات الشكسبيرية مع السجناء، فالسمات المسرحية للشخصيات ليست إلا السمات الواقعية للسجناء الذين لن يكونوا إلا ضحايا خيانات ومؤامرات ووشايات نالت منهم وأودعتهم وراء القضبان.