السينما في خطر... يدقّ السينمائيون في مصر ناقوس الخطر بعد سنة على «ثورة 25 يناير». طمأنة الأغلبية الإسلامية التي اكتسحت صناديق الاقتراع، تزيد من مخاوفهم أكثر. يسري حماد، المتحدث باسم «حزب النور»، يؤكّد أنّ حزبه مع «الفن الذي يخاطب العقل»، وأنّه يناهض «الفن الهابط الذي يخاطب الغرائز». أمّا محسن راضي، مسؤول ملف الفن في «حزب العدالة والتنمية»،
فيعدنا بـ «أعمال فنية لجماعة الإخوان، تؤكد مساحة الحرية في التفكير والإبداع»، مبدياً «تحفّظاً وحيداً على الأعمال الفنيّة التي تمسّ الثوابت الإسلامية».
عوضاً عن التفكير في الطروحات والأشكال الفنية الجديدة التي تعكس حالة مصر المتغيرة، يتمحور الصراع حالياً حول تعريف ماهيّة «الفنّ الهابط» وفق المنطق السلفي، وتحديد مساحة الحرية في فضاء الإسلام الإخواني. لهذا، لم تحضر الأشكال السينمائية الجديدة، والطروحات المبتكرة، في أفلام ما بعد الثورة. الأعمال السينمائية التي صدرت خلال العام المنصرم، تولّت بمعظمها توثيق الثورة بعد انتهائها مباشرة. وقد جاءت بمعظمها كمادة تجميعيّة، ولم تحمل من قيمة إلا أسبقيتها التي وضعتها على خريطة المهرجانات العالمية. ولعلّ أوّل تلك الأفلام، حمل عنواناً كبيراً لشريط صغير هو «تحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي» وهو عبارة عن ثلاثة أعمال في عمل واحد.
في «الطيب»، يصوّر تامر عزت ما حصل مع المتظاهرين منذ اليوم الأول لـ «ثورة 25 يناير». ينوّع المخرج في توثيق شهادات من نزلوا إلى الميدان، بين شابة أرستقراطية، وشاب إخواني، ومصوّر ترك منحته الدراسية في السويد، وعاد ليصور الثورة، وطبيبة تحكي عن المشفى الميداني في الميدان، وغيرهم من الطيبين. والآلية المعتمدة هي شهادة متبعة بـ «انسيرت» على إيقاع متواتر، قد نصفه بأنّه تكثيف حقيقي لكل ما شاهدنا وسمعنا وقرأنا. وجاء شريط «الشرس» لآيتن أمين من زاوية مغايرة. تسلّط المخرجة الضوء على ضباط الشرطة خلال الثورة. ولعلّه يمكن القول إنّ هذا الفيلم أفضل الثلاثة من حيث زاوية المقاربة لا من حيث البنية الفيلمية. فهو يضعنا وجهاً لوجه أمام من شاركوا في قمع الثورة، ناقلاً مشاعرهم، وكيف واجهوا من كانوا أمامهم، وكيف تسرّب إليهم اليأس بعدما صاروا في مواجهة الآلاف، بطريقة تصاعدية ترتبط بالحجم المتزايد للمتظاهرين يوماً بعد يوم. ومع «السياسي» لعمرو سلامة، سندخل الكوميديا، في شريط هو محاكاة لأسلوب مايكل مور، وبدرجة أكبر مورغان سبورلوك. السياسي ليس إلا حسني مبارك نفسه، منذ توليه الحكم في مصر، وتحوّله دكتاتوراً، وصولاً إلى صبغة شعره، وصوره، وأسماء الأمكنة التي كان يرتادها، وغير ذلك من ملامح السياسي الذي حكم مصر ثلاثين عاماً.
التجربة الروائية الوحيدة التي خاضت في «ثورة يناير» جاءت جماعية أيضاً، وحملت عنوان «18 يوم». تشبه صيغة الفيلم شريط «11 سبتمبر» (2002) الذي تولّى إنجاز أجزائه 12 مخرجاً حول العالم، منهم يوسف شاهين، وشون بن، وكين لوتش، وسميرة مخملباف. اجتمع في «18 يوم» عشرة مخرجين، هم شريف عرفة، وكاملة أبو ذكرى، ومروان حامد، ومحمد علي، وشريف البنداري، وخالد مرعي، وأحمد عبد الله، ويسري نصر الله، ومريم أبو عوف، وأحمد علاء. تفاوتت جودة الأعمال وأصالتها، لتجتمع حول تقديم سرد موازٍ لأحداث «25 يناير» امتدّ أكثر من 125 دقيقة.
يبدأ «18 يوم» مع «احتباس» (شريف عرفة) الذي يصوّر مستشفى للأمراض العقليّة، كاختزال للوطن. ينتقل بعده إلى «خلقة ربنا» (كاملة أبو ذكرى) حول بائعة شاي، تشارك في الثورة، وتفكر إن كان ربّها سيسامحها لأنّها صبغت شعرها. يحكي « 3- 19-19» (مروان حامد) التعذيب في سجون أمن الدولة، ويضيء «الطوفان» (محمد علي) على شريحة لم تمثّل لها الثورة، إلا مصدراً لكسب لقمة العيش، من خلال بيع أعلام مصر للمتظاهرين تارةً، وبيع صور حسني مبارك لتظاهرات التأييد. ويصوّر «حظر تجوّل» (شريف البنداري) جَدّاً وحفيده في السويس. وكلّ ما يتطلّع إليه الحفيد أن يتصوّر إلى جانب دبابة. يراهن سادس الأفلام «كحك الثورة» (خالد مرعي) على أحمد حلمي، في دور خيّاط يبقى حبيس محله ولا يدرك شيئاً مما يدور حوله. سيخضع الأمر لتأويلاته، في مونولوج طويل يسجله على أشرطة كاسيت. يركّز «تحرير 2/ 2» (مريم أبو عوف) على البلطجية الذين ضربوا المتظاهرين، وهم يقبضون على فلوس مضمّخة بالدماء... في «شباك» (أحمد عبد الله)، شاب اكتفى بمشاهدة الثورة عبر الشاشة، وفي «داخلي/ خارجي» (يسري نصر الله) ترى منى زواجها مهدداً بسبب مشاركتها في الثورة. إلى أن نصل إلى «أشرف سبريتو» (أحمد علاء) الذي حوّل محل الحلاقة إلى مستشفى ميداني.
أفلام كثيرة صورت «25 يناير»، وهناك الكثير من المواد المصوّرة الخاصّة والأرشيفية التي تعدنا بعشرات الأفلام. بينما يجري الحديث روائياً عن فيلم لإبراهيم البطوط بعنوان «مثل الثورة» من بطولة وإنتاج عمرو واكد، فيما انتهى يسري نصر الله من فيلمه «ريم وفاطمة ومحمود» الذي يضيء على موقعة الجمل الشهيرة.