«إنها دورة التغيير، وتفعيل المساحات البديلة، وإشراك الجمهور». تحت هذه العناوين، ينطلق «مهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر- بايبود» (2024)، على وقع أسئلة يفرضها الفضاء المنكوب من غزة إلى جنوب لبنان. بروح معاصرة، وتمرّد على الصالات والعلب الإيطالية للمسرح، تحتفي بيروت، مدينة الكثافة العمرانية، والدمار، والأزمات، والانهيارات، والحب، والثورات، والرقص، بعيد «بايبود» الذي يطفئ شمعته العشرين. وحتى 21 نيسان (أبريل) المقبل، تُقام سلسلة عروض رقص معاصر، وورش عمل، ولقاءات، تجمع فنانين لبنانيين وأجانب. الدورة العشرون تحمل عنوان «لنفعل ولنتشارك» (To Do To Share)، تستكشف تقاطع الإبداع مع الحياة اليومية والقيم، وتفعّل موقع الجسد خارج الأطر السائدة، وتطرح أسئلة عن علاقة الفن مع الفضاء العام، وعلاقة الفنانات والفنانين مع السياسات الثقافية ومقرّريها. يجري كل ذلك ضمن سلسلة فعاليات توفر تأملاً في الجسد الذي هتكته الحروب في عالم الجنوب، وسؤالاً عن الجسد المنهَك في شمال الأرض. على مدار السنوات السابقة، رسّخ المهرجان الذي يديره مؤسس فرقة «مقامات» عمر راجح وميا حبيس، تشابكاً وتداخلاً مع السياق العام، وتجرّؤاً على طرح وتكريس الرؤى الحداثية والمتطورة والفعّالة للعمل الثقافي. حين انطلق في عام 2004، ترافق مع الانهيارات والخضات السياسية المحلية والإقليمية. يقول عمر راجح لنا: «المهرجان يعمل، والظروف تشتد وصولاً إلى دورتنا الحالية». يُعيد «بايبود» هذا العام، رسم خريطة جديدة لعروض الرقص في بيروت، حيث تُعطي المواقع والمساحات والفضاءات المختارة من قبل المنظمين (ثلاثة فضاءات تحتضن العروض في بيروت) بُعداً آخر. يقول راجح: «في الدورة العشرين، ننتقل من «المشهدية» إلى «الفعل». سنرسّخ جمالية عالية (إستيتك) في الصالة التي شكلت ملاذاً لنا على مدار عقود، إذ نرى اليوم أننا بحاجة إلى تفعيل الإستيتك مع الجمهور. الجلوس في المسرح فيه فوقية اجتماعية تحكم العلاقة مع الجمهور، إن صحّ التعبير. حتماً، لا يمكننا الاستغناء أو الخروج عن المفاهيم التي تكرّسها الصالة، سنظل نقدم العروض في المسارح، لكننا سنُعيد التفكير في صيغة أخرى». لذا، يأتي «بايبود» هذا العام ترجمةً لذلك. «علينا أن نعي أن الأفكار، كالمساواة أو التعددية أو الحرية، يجب أن تنعكس في فضاء العرض... وعليه، تتمحور آلية البحث عن فضاءات تعكس مفاهيم العرض... نحاول أخذ العلاقة مع الجمهور ليكون العرض مكاناً للفعل والمشاركة والتعبير وتبادل الأفكار وليس فقط مكاناً للفرجة». فـ «المهرجان غير منفصل عن المحيط. هناك أحداث كبيرة تجري في غزة وجنوب لبنان، لا يمكن التغاضي عنها، بل هي في صلب اهتماماتنا العاطفية والإنسانية. تحتّم علينا الظروف إقامة المهرجان، لأن هدفه ليس الفرجة ولا المتعة، بل هو مساحة لتثبيت المواقف، والتعبير عن الآراء، والحرب على غزة وجنوب لبنان، تفرض نفسها على المهرجان، من هنا كان إصرارانا على إقامته حيث لا يمكن للقتل أن يربح».
انطلقت قبل يومين فعاليات المهرجان في سلسلة لقاءات ونقاشات، في محاولة للتواصل والإلهام عبر وسائل الاتصال الأساسية: الاستماع إلى حديث الناس. تركّز اللقاءات على عمل الفنانين وعلاقتهم بالمؤسسات الثقافية ومقرّريها بمشاركة ضيوف من مختلف الخلفيات والمهن في بيروت وخارجها.
وبدءاً من اليوم، تنطلق سلسلة من عروض الرقص العالمية والمحلية، إذ تعود الراقصة والكوريغراف لورانس يادي في عرض Today، (اليوم ــــ س:20:30 ـــــ «يونيون ماركس»/ برج حمود)، محمّلة بتاريخها الشخصي وحضورها الأخّاذ. يشكل الرقص في هذا العرض «وسيلة لتنشيط الجسد ككيان ديناميكي وتعبيري، ونفسي وعضوي، ويصبح رمزاً قوياً، ويتطور ليصبح كياناً سياسياً وجيو-فنياً». في اليوم والمكان نفسيهما، يقدّم أيضاً العرض الراقص Trama (س: 22:00) وهو أداء راقص وأكروباتي «أشبه برحلة موسيقية تستكشف حدود المجموعة، وتتبع مسارها وانجرافاتها المحتملة». ومن المحطّات المهمّة في المهرجان Les Naufragé.es أو «المنبوذون» (الجمعة 18 نيسان في «يونيون ماركس» ـــ والسبت 19 نيسان في «المعهد الفرنسي» في لبنان). في هذا العمل، يغوص 30 راقصاً في رحلة خيالية إلى عالم آخر، مستلهم من الأساطير. وتشكل سماعات الرأس التي يضعها الراقصون، الصوت الداخلي، الذي يقود كلاًّ منهم إلى رحلة فريدة ومختلفة عن الآخر. ويوم السبت أيضاً، يُقدمIt won’t be like this forever (س 20:00 ــــ متحف سرسق) حيث تشكل الألعاب النارية مجموعة من الخطوات، والمنعطفات، والركلات، لتكون أشبه بسلسلة ذات عناصر متباعدة ومتفاوتة. على أن يقدم تشارلي برينس عرضه الراقص The Body Symphonic (19 نيسان/ س 21:30 ـــ «يونيون ماركس»)، إذ «يحاول الجسد الاستكشاف والتنقيب عن الطقوس، ليُكشف النقاب عن أساطير جديدة وغير محدودة، يعود فيها الجسد إلى مناطق مجهولة وعوالم غير مستكشفة».
يذهب «المنبوذون» في رحلة خيالية إلى عالم آخر مستلهم من الأساطير


أما يوم الأحد، فمن المقرّر تقديم مجموعة من العروض في «يونيون ماركس» أبرزها «اثنان» (س 20:00) المقتبس عن Cent Mille Façons de Parler، وهو عرض صمّمه عمر راجح عام 2021، يضم كلاًّ من تشارلي برينس وعمر راجح، مستوحى من قصائد للمتصوفَين جلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي. وتقدم كل من داليا خليفة عرضها الراقص الأول I Woke Up a Sweaty Human (س 19:00). ويقدم بسام أبو دياب عرضه «تنوين» (20 نيسان/ س 19:30). لتُختتم دورة هذا العام مع الفنان والراقص خنسا، الذي سيقدم ليلة تمتزج فيها الموسيقى والرقص (س 23:00) في «ستايشن بيروت»، ويتحدى فيها النمطيات التقليدية ويُعيد تصوّر التقاليد القديمة، ويقدمها للجمهور المعاصر بمهارة، على وقع الإيقاعات الإلكترونية المصحوبة بصوته الغنائي. كما يتخلّل «بايبود» (2024) برنامج مخصص للأطفال، وسلسلة ورش عمل في الرقص المعاصر، أبرزها لخلود ياسين، ومنير ملاعب الذي سيقيم ورشة في الدبكة، وورشة «التانغو» مع مازن كيوان، وورش أخرى تُقام على مدار الأسبوع.

* «مهرجان بيروت للرقص المعاصر ــــ بايبود»: حتى 21 نيسان (أبريل) ــــ Abroyan Factory/Union Marks و«ستايشن بيروت»، و«متحف سرسق» ــ للحجز في جميع فروع مكتبة «أنطوان»، و«أنطوان أونلاين». للاطلاع على البرنامج: www.bipodfestival.com