استضافت «أكاديمية دار الثقافة» في «مخيم مار الياس» في بيروت الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي المقيمة في برلين، ضمن لقاء أقيم قبل أيام في مكتبة الأكاديمية بالتعاون مع «دار الآداب». وشهد اللقاء توزيع روايتها «تفصيل ثانوي» مجاناً على نادي القراءة في الأكاديمية. وقد حضر نادي القراءة لمناقشة الرواية مع نخبة من الصحافيين والمثقفين بحضور مسؤولة «دار الآداب» رنا ادريس، وقد أدارت الجلسة الكاتبة تغريد عبد العال. رحّبت الأخيرة بالكاتبة، رابطة بين عملها الروائي وتزامن اللقاء مع يوم الأرض، قائلةً: «سنستمع اليوم لتفاصيل من الأرض، حيث يفتح المخيم أزقته للحكايات، فاليوم هو يوم الأرض، الأرض التي تعلمنا لغة نظل نهجئ كلماتها حتى تبتسم، فيبتسم المخيم كي تعبس المدن».وعدنية شبلي روائية وناقدة أدبية فلسطينية، صدرت لها ثلاثة روايات هي «مساس» (2002)، و«كلنا بعيد بذات المقدار عن الحب» (2004)، و«تفصيل ثانوي» (2017) جميعها عن «دار الآداب». وقد ترجمت أعمالها إلى اللغات الانكليزية والألمانية والايطالية وغيرها. وكانت لجنة تحكيم مجلة «ليبراتور» منحت جائزتها لشبلي عن روايتها «تفصيل ثانوي» بعد ترجمتها إلى الألمانية. واحتفت لجنة التحكيم آنذاك برواية شبلي «كعمل فني محكم يحكي عن سطوة الحدود، وما تفعله الصراعات الدموية في البشر». وأضافت اللجنة أن الكاتبة «تلتفت بيقظة كبيرة إلى تفاصيل ثانوية تتيح لنا أن ننظر إلى جراح وندوب قديمة تتوارى خلف السطح». وكان من المقرر أن تكرَّم عدنية وتستلم الجائزة في «معرض فرانكفورت للكتاب» الأخير، بعد وصولها إلى قائمة جائزة «بوكر» الدولية. لكن بعد حرب الإبادة على غزة ودعم معرض فرانكفورت لاسرائيل، اتهمت الرواية بمعاداة السامية، وقرر المسؤولون إلغاء تكريم شبلي. وطبعاً، يأتي هذا المنع، في ظل سياسة غربية داعمة للعدو لمحو الابداع الفلسطيني وحجبه، ولكن رغم ذلك يبقى هذا الابداع متوهجاً، فالرواية تنتقد الاحتلال الاسرائيلي، وتصور اغتصاب الأرض والبشر بلغة تحاول أن تقف في وجه لغة المستعمر التي تطغى عليها المركزية.
خلال اللقاء، أكدت شبلي أن وجود الشعب الفلسطيني قد أصبح هامشياً وزاخراً في التفاصيل التي يتعمّد المستعمر أن لا يركز عليها. وقالت إنّ مشروعها ليس تصوير الجرح أو الألم لأنه جزء من تكويننا ووجودنا، ولأن مهمة الاعلام هو التركيز على صورة الجرح، بل إنّ من مهمة الأدب هو الوقوف عنده، واعطاؤه الحيز الذي يستحقه ونكتشف الأخلاقيات التي تخرج من تأمل هذا الجرح. وتعتبر عدنية أن الذات هي موضع العنف الاستعماري، لذلك يجب الانطلاق منها إلى الآخرين، ولأننا أمام دولة استعمارية همها الرئيسي هو تدميرك كانسان.
ومن خلال اجاباتها على أسئلة الحضور، أشارت شبلي إلى أنّ حرب الإبادة على غزة أوجعتها الى حد أنها لا تستطيع الكتابة، وأن غياب اللغة هو أيضاً وجع. وبالنسبة لها هناك هاجس فكري مهم في تطلعاتها، وهو سؤال يشغلها: «أي فكر وأي بوصلة ممكن أن تعطينا فلسطين؟ لأننا لا بد أن نتوقف عن نسخ الفكر الأوروبي والمركزي وأن أهم حق من حقوق الانسان هو حق الأرض وحق الشجر، ولأن جزء من خطاب اسرائيل الاستعماري أن فلسطين صحراء وهم يحاولون اعمارها». وعن كتابة الرواية، أشارت أن علاقتها بالكتابة تتأكد من خلال المحو، لذلك عملت كثيراً على محو أجزاء من الرواية، و«بالنسبة لكلام المستوطن، فهي لا تفضل الرد عليه، لأنه اذا كان هناك رد، فسيكون المستعمر هو من يحدد لنا أدواتنا». وتحدث الحضور أيضاً عن بطء اللغة في القسم الأول الذي كان جزءاً من عنف اللغة والجريمة. وأضافت أنّ الأدب الاسرائيلي لا يشكل بالنسبة لها أدباً مهماً لأنّه يخدم الأيديولوجيا.
يذكر أنّ النقاش قد توج بأغنية غنتها عضو نادي القراءة، المغنية والاعلامية رنا زيدان التي أقفلت الحوار بصوتها الجميل وهي تنشد أغنية لأميمة خليل: «يا وطن الأنبياء تكامل، ويا وطن الضائعين تكامل، ويا وطن الشهداء تكامل، فكل شعاب الجبال فداء لهذا النشيد».