«كان حلماً مستحيلاً وتحقَّق». لا يمكن للّغة أن تحتوي تركيباً يعبّر بشكل أكثر وضوحاً عمَّا جرى بين الحادي والعشرين من أيار (مايو) 2000 والخامس والعشرين منه. ولا يمكن للأدب أن يجود بوصف أبلغ من تلك العبارة الموجزة. لكنه كان مستحيلاً فقط بالنسبة إلى الناظرين إلى المشهد من خارجه، محمّلين بتاريخٍ طويلٍ من الخيبات وانتصارات أُفرِغت من معناها، أمَّا بالنسبة إلى الساهرين على الزناد، فإن «إسرائيل سقطت» قبل ذلك بزمن بعيد، منذ خطوتها الأولى إلى الخلف، أو قل خطوتنا الأولى إلى الأمام. «تطويع المستحيل» لم يكن ليتحقَّق بالأمنيات الصادقة وبعض الحماسة، بل كان حصيلة عمل جادٍ نقل المقاومة من محاولة صدّ الاجتياحات بما تيسّر إلى الوقوف اليوم بثبات على أبواب الجليل في انتظار «ساعة الصفر»، وانتقل العدوّ من التباهي بقدرة فرقه الموسيقيَّة على تحقيق أحلامه التوسعيّة، إلى الاتكال على فرقه الهندسيَّة الموكلة ببناء الجدران والتحصينات في الحفاظ على حلم البقاء! في ذكرى تحرير الجنوب اللبناني الـ 23، طرحنا على مجموعة من المبدعين العرب، بضعة أسئلة حول ما تحتفظ به ذاكرتهم عن تلك اللحظة التاريخيَّة: أين كانوا في ذلك اليوم؟ كيف تلقّوا الخبر السعيد؟ وما هي نظرتهم إلى دور تلك المحطة من محطات الصراع في تحديد مصيره ومستقبله؟ جاءت الإجابات على شكل نصّ وجداني حيناً، وعلى شكل قصَّة قصيرة أحياناً، وأهملت بعض الإجابات الأسئلة وانشغلت بغيرها. المشترك الوحيد هو التعبير عن الفرح الغامر الذي كان ذاته عند لبنانيّ في «المنصوري» على تخوم «الشريط الحدودي المحتل» سابقاً، وآخر في الجنوب الفرنسي، وجزائريّ في سطيف أو في الجزائر العاصمة، ومصريّ في القاهرة، وعراقيّ في الأنبار، وسوريّ في اللاذقيّة
أكرم عثمان - «القدس أقرب» (أكريليك 50 × 70 سنتم - 2023)


تأسيس وعي جديد
إسكندر حبش *

هو الفجر الجديد. لا بدّ أن تُسجل الذاكرة، والحياة بالطبع، التالي: ما قبل 25 أيار 2000، هو تاريخ مضى، وما بعد 25 أيار 2000، ليس تاريخاً جديداً فقط، بل هو هذا المستقبل الذي حلمنا فيه. هي أكثر من لحظة مفصليَّة، بل لنقل هي إعادة لتأسيس وعي جديد، نجحت المقاومة في زرعه، ليس في نفوس رجالها فقط، بل في نفوس أبناء أمة، كانت تعتقد أنَّ الهزيمة قدر حتميّ لا يمكن الفكاك منه. جاحدٌ من يُنكر هذه الحقيقة. وما يجري من محاولة تشويه للحقائق اليوم عند البعض، ليس سوى صراخ في صحراء. النور ساطع ولا يمكن تغافله، إلا لمن اختار أن يكون ضريراً عن عمد.
أذكر ذلك النهار جيداً. لم نكن في لبنان يومها. كنّا مجموعة من كتّاب لبنانيين في جولة على عدد من مدن الجنوب الفرنسي، لإقامة سلسلة من المحاضرات والندوات والقراءات، وكنّا نرقب الوضع، قبل حدوثه بأيام حين تواترت الأخبار بأنَّ هزيمة الاحتلال آتية لا محالة. لم نتوقّع أن تكون بهذه السرعة، بالأحرى لم نتوقّع هذا الهروب الكبير. كنّا نجلس في الصباح، نتناول قهوتنا في مقهى في مدينة مارسيليا، حين أتى الروائي الياس خوري ليزفّ إلينا النبأ. قال إنَّه تأخر بسبب مشاهدته التلفزيون الذي رأى فيه اندحار هذا العدو. أذكر أننا قفزنا كلنا واقفين. كأنَّ أعطية ما هبطت فوق رؤوسنا من السماء. قلنا لإلياس هذا أجمل خبر. دعك من تأخرك، وتبدَّلت أحاديثنا. «ركلنا» الأدب جانباً، وكل تلك «المشاغل» التي تبدو «مهمّة»، لنغرق للحظات في تقبيل بعضنا، في تهنئتنا. أظنّ أنَّ رواد المقهى نظروا إلينا مطوّلاً، متسائلين عمّا يجري.
كيف يمكن وصف هذه اللحظة؟ فعلاً لا أعرف. كانت لحظة العمر. عمر بأسره كنا ننتظر فيه «بشارة» بولادة «مخلّص». وها قد أتى ليزيل عنّا تعب الزمان. وبالتأكيد، كانت النقاشات التي استمرَّت لأيام لاحقة في الجنوب الفرنسي، أجمل. كنّا نستند إلى بداية تاريخ جديد. إلى بداية حياة جديدة.
* شاعر وصحافي ومترجم لبناني

سهرة عيد التحرير
عبد المجيد زراقط *

كان القمر قرص ضياء، يُطلُّ من بين الغيمات البيضاء لحظة، فيندلق الضوء، وتتمايل أزرار الورد البيضاء والحمراء، في الأحواض، ويفوح عبقها. كان الساهرون يحكون، ويختلط حكيهم بأصوات المتمشين على الطريق العام، في هذه الليلة الربيعيَّة المقمرة. كانت القرية وطريقها في مهرجان. كان المتمشُّون يحكون، يضحكون، يهتفون، يقفزون، يدبكون، وينشدون. في فضاء الفرح هذا، كان رفيف الكلمات يداعب الآذان والنفوس:
قال المضيف: كان لديَّ يقين بأنَّ التحرير/ النصر آتٍ. كتبتُ قصَّة للأحبّة الفتيان والفتيات، عنوانها «عيد النصر»، نالت جائزة، وصدرت منذ عامَين.
وقالت سيدة البيت، وهي تقدِّم كؤوس الشاي للساهرين: كان حلماً، اقتحمنا الحاجز، هرب من بقي من العملاء، وكنا أوَّل الداخلين.
كان الجار يرشف من كأسه. أبعد الكأس، وقال: نحن سبقناكم، جئنا مشياً من طريق الوادي. كانوا يقصفون. لم نهب. تقدَّمنا، وقبل الفجر، كنا هنا نطارد الهاربين.
مسَّد الجار الآخر لحيته الشائبة، وقال: عندما وصلت إلى وادي السلوقي، أطلت قلعة دبي. هذه القلعة بناها الإفرنج في مدخل الوادي من حجارة بيوتنا ومساجدنا، وظلُّوا فيها قروناً، ثم طردناهم، وبقيت منهم آثار تحكي حكايات غزاة مرُّوا، وفرُّوا.
وقف يفتل شاربه المبروم، وقال: شبيهها موقع مشعرون الصهيوني، غير بعيدٍ منها.
* كاتب وناقد وأكاديمي لبناني

تاجٌ لا يسقط ولا يذبل
حسن م. يوسف *

ولدتُ في عام النكبة وتربّيتُ على وعود الراديو الذي كان يؤكّد لي صبح مساء حتميَّة سحق الكيان الغاصب، مهللاً «يا فلسطين جينالك، جينا وجينالك جينالك، جينا تانشيل حمالك.. الخ» ولهذا أصبتُ بحالة من الذهول ووقعتُ في حفرة عتم عندما سمعت جمال عبد الناصر يعلن استقالته من الراديو بصوت مرتعش عقب نكسة 1967! ثمَّ جاء أيلول الأسود نكسة أمرّ وأدهى! صحيح أنَّ آمالي قد انتعشت في حرب تشرين التحريريَّة لدرجة أنَّني ما زلت أشعر بالقشعريرة عندما أسمع صوت أيقونة أرواحنا فيروز، وهي تهتف «يا قمر مشغرة» وتتغنَّى بخبطة أقدام الرجال! لكن الليل خيَّم على روحي في عزّ الظهيرة عندما غزا شارون لبنان وارتكب وأذنابه مذبحة «تل الزعتر». إلا أنَّ روحي انتعشت مجدداً عندما انطلقت المقاومة في لبنان واضطر «اليانكي» للانسحاب وذيله بين رجليه، لكن الضربات لم تتوقف لحظة واحدة. فبعد حرب الخليج الكارثيَّة الأولى، جاءت حرب الخليج الثانية الأكثر كارثيَّة، ورغم أنَّ المقاومة الوطنيَّة اللبنانيَّة كانت تنزل ضربات موجعة بالعدو إلا أنني كنت قد فقدت شهيتي لمتابعة الأخبار مع حلول الألفيَّة الثالثة. إذ انتابني إحساس عميق بأنَّ شعوب منطقتنا قد بدَّدت فرصتها في الدخول إلى التاريخ. ولهذا ذهلت عندما اتصل بي أحد الأصدقاء مساء الحادي والعشرين من أيار عام 2000 وأخبرني وهو يكاد يبكي من الفرح بأنَّ جيش الكيان/ السرطان قد بدأ ينسحب من جنوب لبنان. وعندما شاهدت بأمّ عيني اندحار الغزاة في 25 أيار، أدركت أنَّ اليأس جريمة، فكتبت معرباً عن إيماني الراسخ بالمقاومة التي زرعت في رأسي وفي رؤوس كل المخلصين من أبناء أمتي تاجاً من العطر والفخر لا يسقط ولا يذبل.
* كاتب وصحافي وسيناريست سوري


درسٌ عظيم ومنارةٌ مشعّة
أحمد الخميسي *

25 أيار/ مايو عام 2000 كان ويبقى يوماً مجيداً تدقّ فيه القلوب بالفرح والكرامة، اليوم الذي أثبتت فيه المقاومة الشعبيَّة أنَّها وحدها القادرة على هزيمة الكيان الصهيوني وإجباره على التراجع. يبقى هذا الدرس العظيم منارةً مشعّةً يمضي على نورها كل الشرفاء. أذكر مدى انفعالنا أنا وأخي الملحّن الراحل فتحي الخميسي، حتى إنَّنا قمنا فأخذت أنا ورقة لأكتب وجلس هو إلى البيانو ليضع اللحن ونحن نشعر أنَّنا أمام لحظة يشرق فيها ضوء الفجر، وخرجت الأغنية التي نُشِرَت بعد ذلك على يوتيوب:
لبنان الحر الثائر..
ماشي ع الدرب لأحلامه..
لبنان الحر الثائر..
الموت آهو مرمي قدّامه..
والنصر بيرفع أعلامه..
لبنان ع الدرب لأحلامه..
ولا غير المدفع باقي..
على كتف مقاومة وطنية..
ولا غير الشعب فدائي..
صواريخه وصلت طبريا!
واليوم ما زالت الأغنية والمعنى والبطولة مشتعلة في نفوسنا.
* قاصّ وصحافي مصري

يومَ اشتعلت صدور الأحرار
ياسين بن عبيد *

كيف يمكن أن نتلقى خبر انتصار المقاومة ودحر العدو الإسرائيلي؟ سؤالٌ وجوديّ يطرحه كل مسلم، وكل شرقي، كل عربي على نفسه ويحيّنه كلما تجدَّدت ذكراه على مرّ الأعوام. تَحْيين المناسبة بمعناها الجهاديّ المقاوم يشير فعلاً إلى دوام الحياة في أمتنا، وإباء الذل المشفوع بالعار الذي يريد البعض أن يدفعنا إليه تحت طائل المصالح المشتركة، والقيم الإنسانيَّة وما هو من قبيل المغالطات المشبوهة. ارتداداً إلى المناسبة، أذكر كما يذكر غيري اشتعالَ صدري وصدورَ الأحرار في العالم، احتفاءً وزهواً بالنصر على الأعداء، ودحض أكذوبة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر. ما زال الإنسان الحرّ فلسطينياً، وعربياً، وإسلامياً يصنع أمجاده وينغِّص على أعداء الإنسانيَّة وجودَهم القائم على الابتزاز والاستفزاز والعدوان المتكرّر على الحضارات وعلى الأديان وعلى الشعوب؛ وهو بهذا يصدِّق الأخبارَ التي جاءت بها النصوصُ الدينيَّة المؤسّسة ومدوّنات التاريخ الواصفة إياه على هاته الحقيقة.
أعتقد جازماً أن جيل اليوم ليس بينه وبين جيل النصر مسافة من أيّ طبيعة كانت، لأنَّ القيم المشتركة فعلت فعلتها، وغرست في الوعي الجديد تلك الروح الوثابة التي تصنع النصر على قاعدةٍ من المتواليات التي لا تنفصم، وعلى أرضيَّة من الثوابت التي لا يمكنها أن تتحوَّل. وإنَّ غداً لناظره قريب.
* شاعر وأكاديمي وناقد جزائري

تميمة في عنق لبنان
فاروق شويخ *

يومٌ عصيٌّ على النسيان، كان فاتحةً مضيئةً للألفيَّة الثالثة، معلّقاً كتميمة في عنق لبنان وآية كرسيٍّ في رئة الجنوب. شعرنا أنَّنا أغنياء حين ادّخرنا قمحاً لا ينفد في أهراءات العزة. أذكر أنَّ الفرح انتشر في شوارع الجنوب، واستيقظت المناطق التي عاشت مكبَّلة في ليل الاحتلال. لحظات التحرير الأولى كانت أشبه بحلم لن يتكرَّر. أحسسنا بالقوَّة والمهابة وقدّسنا معنى الكرامة والجهاد؛ هاتان المفردتان اللتان بات يندر ورودهما في أبجديات بعض الأدباء والإعلاميين، بل يشعرون بالخجل وربما الخوف من استخدامهما..
خبر التحرير تلقيتُه بكثير من التوقّع، فقد شهدتُ الحرب شبه اليوميَّة بيننا وبين العدوّ لقرب منزلنا من أحد مواقعه، قد ينحو البعض إلى القول بعدم التصديق والتخيّل؛ كان التوهّم موجوداً بصفته المجازيَّة لا الحتميَّة، إنَّما من الجانب الآخر الفعليّ والجهاد الواقعي الموضوعي لم يكن الإلحاح على فعل المقاومة والمواظبة على استنزاف العدو ليأتي بثمنٍ أقلَّ من هذا التحرير.
أمَّا عن أثر التحرير وهذا الانتصار في الصراع الدائر، فيمكن استعراض بعض النتائج المباشرة وتلك التي تمتدّ في نفوس الأجيال. ماذا تقول عن امتلاك الثقة والإيمان بالقوَّة الذاتيَّة؟ ماذا عن قوَّة الردع التي ولدت حديثاً في وجه عدوٍّ لم يتخيل يوماً أن يقارعه أحد في هذا العالم؟ ماذا عن المكانة الاستراتيجيَّة للبنان في العالم؟ ماذا عن حقوقنا في ثرواتنا الطبيعيَّة؟
* شاعر لبناني

مقاومة العظمة
عبد القادر فيدوح *

حين تسجّل المقاومة مجدها؛ ليس للمرء إلا أن يفتخر بالإنجازات التي حققتها، ولأنَّ ملحمة المقاومة باسقة في جنوب لبنان وبقاعه الغربي، ولأنَّ هذه المقاومة منحت جَهدها وأبناءها قبل أن تمنح نضالها لمعزة الوطن، ولأنَّها علَّمت أحفادها أن التضحية نافذة الحرية والكرامة، ولأنها منحت مواطنيها نعيم القيم التي من شأنها التضحية في سبيل الذود عن الوطن، وتعزيز مجد تاريخ لبنان العريق، فقد كان رجالها أيقونة خالدة، ولأنها كانت رمزاً وشَمَتْ قلب أبنائها البررة بحبّ الأرض، ولأنها أكثر من ذلك، فقد أدارت انتفاضة المستحيل لتصبح حقيقة.
وإذ نحيي ذكرى مجد هذه المقاومة؛ فلأنَّنا ننظر إليها على أنها بذرتْ نواة؛ لتصبح غرساً لجيل واعد، وإذ نفتخر بقدرة المقاومة وكلفتها، فلأنها صبَّت لنا عِتقاً، ووطناً في كؤوس الارتواء، ونشيداً في قلوب الأوفياء.
وحين تسجّل المقاومة مجدها؛ ليس لك إلا أن تفتخر بتصديها لأبرز منظمات اللوبي الصهيوني، وتعرية فكره الاستعماري، ونزعته العنصريَّة. لقد جعلت المقاومة من المواجهة قانوناً ثورياً للدفاع عن الكرامة، فضلاً عن الأرض والهوية الوطنيَّة، وتأكيد عراقة هوية الوطن، وأصالة الشعب اللبناني، إذ لولا الجذور التاريخيَّة لقيادة المقاومة، ولولا ماضيهم الحافل بالانتصارات لما ظفرت بالنصر والتفوّق على أعتى ترسانة صهيونيَّة.
ومن يتأمَّل تاريخ المقاومة الشامخ والحافل بالانتصارات، والنجاحات الظافرة بالرفعة والشرف، يدرك صلابة المقاومين، وعزمهم على التفوّق بالانتصار، وتطويع العدو اللدود من أجل كسب السيادة الوطنيَّة، والوحدة الترابيَّة.
* ناقد وأكاديمي جزائري

نصرُ المقاومة ومقاومةُ النصر
مضر الآلوسي *

إنَّها لحظةٌ فارقةٌ تلك التي عشناها قبل 23 عاماً، وما زلنا نجدُ حلاوتها في قلوبنا، ذلك اليوم الذي حلّقت فيه أرواحنا صافاتٍ، يقبّلن عنا تراب الوطن الحرّ المحتشد بالكرامة والشهداء والأبطال، إنَّه نصر المقاومة الحقّ، نصر من غير اتفاقياتٍ ولا مفاوضاتٍ ولا مساومات، بل استسلام العدوّ والعملاء وانتصار المجاهدين والمرابطين الشرفاء. إن مثل هذا النصر ليس حدثاً نؤرّخ به احتفالاً أو احتفاءً وحسب، بل هو ربوة مقدسة ينطلق منها المقاومون لتحرير النفوس والأرض. لقد أكدت المقاومة الإسلاميَّة أنَّها قادرة على دحر أعدائها وتقزيم أحجامهم المنتفخة، وتسكين نموّهم، واقتلاع جذورهم. لقد قال «حزب الله» كلمة الفصل هناك، وأسَّس مدينة المقاومة والفضيلة، وترك متاحفها شاهداً يمنح الأجيال وسام النصر ويلهمهم سبل التحقيق، وما زلنا حين نزور تلك الشواهد في مليتا وغيرها تملأ صدورنا شهقات الفرح، ونشمّ رائحة النصر ممزوجةً بمسك دماء الشهداء، وما زال هذا النصر يقاوم بكل أشكال المقاومة ليكون منطلقاً لتحرير قدسنا الشريف.
* شاعر عراقي

يوم النصر الأكبر
محمد جعفر *

منذ استقلالها ناصرت الجزائر قضايا التحرّر في العالم قاطبة، كما نادت بالوحدة العربيَّة. وكابن لهذا البلد، كبرت وأنا أرعى قيم الثورة والحريَّة والعدالة والاستقلال في وجداني، وأرى في قضايا أمّتنا قضيتي الأساسيَّة، وأما احتلال فلسطين وأجزاء من لبنان وسوريا، فقد كان يقضّ مضجعي أيضاً. كأي مهموم بعروبته، ما أزال أتذكر تلك الأيام المجيدة التي صارت عيداً. الأيام التي شهدنا فيها انسحاب الجيش الإسرائيلي مذلولاً من أراضي جنوب لبنان المحتل. انسحاب لم يكن ليحصل لولا تضحيات تكبَّدها الشرفاء من الوطن، وخسائر في الأرواح والعتاد ما عاد قادراً أن يتحمَّلها العدو. عشنا مشاعر الانتصار والتحرير كأيّ شريك مناصر للحق والعدالة. وأمَّا التحرير، فقد فتح باب الأمل على مصراعيه وبتنا من لحظتها نتطلع إلى تحرير كل جزء من أرضنا العربيَّة من الإسرائيلي الغاشم. ولأنَّه لا يمكن الاستهانة أبداً بما تحقَّق، فإنَّ لبنان قد جعل من يوم 25 أيار يوم نصره الأكبر، فوجب الاحتفاء به والاعتزاز. وما نأمله حقاً أن نرى لبنان دائماً قوياً واحداً وحراً، وسنظل نتطلع إلى غده المشرق، وآمل أنَّه قريب حقاً.
* روائي وقاصّ جزائري