حوّلت النحاتة الحجر والصخر والخشب والمعادن إلى أكثر من خمسين منحوتة لمعرضها الجديد، جامعة بين الكلاسيكيّ والحديث، أي بين الدقة والمهارة الصارمة من ناحية، والشكل التجريديّ من ناحية أخرى. يتحرّك مزاجها النحتيّ الحرّ في أكثر من اتجاه تعبيريّ تُعمِلُ فيه إزميلها الدقيق والأنيق، فتراوح أعمالها الجديدة بين استمراريّة الأسلوب القديم الخاص والقطيعة معه، ولا تقع في الحالتين في تزيينيّة تطبع أعمال نحاتين آخرين يشتغلون في المدينة لا في الفضاء الطبيعيّ.
نقف في المعرض أمام خمس منحوتات بالرخام الأحمر الملكيّ (marbre de Roi) تلاعب الضوء. «الحجر رقصة حياة» تقول. منحوتاتها جزء من الطبيعة. الشجرة والصخرة تحاذيان المنحوتة. وفي دقّة الأشكال سعيٌ إلى الكمال، إذ لا «خطأ» فاضحاً في ضربة الإزميل. خطوط نظيفة ليس فيها حزّات (hachures)، أيضاً لا تقليد للطبيعة التي تستلهمها وتعيد تشكيلها في أسلوب غير واقعيّ. جسد المنحوتة «نظيف»، متجانس، منعّم، قطعة واحدة بلا تجويفات. والتجريد حيويّ لدى رندا يشكّل مغامرتها الكبرى لإزالة الحدّ بين المادة كمعطى أوّل والشكل كإنجاز. إزميلها مغمّس بمفردات الطبيعة المحيطة، بالشمس والهواء والشجر، وبالفصول المتعاقبة. كأنّ في منحوتاتها مزيجاً من الطبيعة والنحت والعمارة في منحوتات متفاوتة الحجم تتجاوز البنائية إلى صوغ شكلاني يُنطقُ الحجر شعراً.
تهب رندا نعمة المادة الصلبة مرونة كأنّها تعانق الحجر وتنجذب إليه وتتّحد به. وللنحت لديها وظيفة جمالية تُضاف إلى تلك التعبيريّة. ثمّة قرابة أسلوبية بين المنحوتات تؤكد على الرؤية والأسلوب الخاصّين، وعلى التداخل «التيماتيّ» ووحدة المنبع الملهم. ومن فرط النعومة، تبدو لنا يد رندا كأنّها تنحت في الماء والهواء لا في مواد صلبة وخشنة. غايتها التأسيس لاتجاه نحتيّ مختلف، غير تسليعيّ، بل شديد الالتصاق بالرهافة والرقّة والدقّة والانسياب ونعومة الملمس التي نادراً ما نقع عليها في فنّ النحت وخشونة مادته.
* Cornas: حتى 20 أيار (مايو) ـــ «عَ بالي» (قرية غرفين ـ جبيل)
رندا نعمة... الحجر رقصة حياة
اختارت النحّاتة رندا نعمة اسم المدينة الفرنسية Cornas عنواناً لمعرضها المستمرّ في محترف النحت «عَ بالي» (قرية غرفين الجبيليّة) حتى العشرين من الشهر الحالي. سبب اختيار اسم المدينة الفرنسية هو شهرتها بالنبيذ المائل إلى السواد مثل حجر الرخام الأحمر الملوكيّ، نسبة إلى ملوك فرنسا الذين فضّلوه، وأيضاً لكونه مادة خاماً أثيرة للنحّاتين أيضاً. أمّا المحترف حيث المعرض، فقد أنشأته الفنانة نعمة منذ عقد من الزمن وسط الطبيعة، محوّلة أقبية مسيّجة بأشجار الزيتون واللوز والمشمش والبطم والسنديان مساحة عرض مفتوحة على سماء مشعّة وطبيعة آسرة ودروب متعرّجة تحيط بأرض الإرث العائلي، فتتآلف المنحوتات مع محيطها الطبيعي.