منذ تبوّء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان السلطة، وسطوة مستشاره للشؤون الترفيهية والفنية تركي آل الشيخ تزداد، بدءاً من دخوله الساحة الفنية والرياضية المصرية، مروراً بزواجه من المغنية المصرية آمال ماهر وحربه الشعواء عليها، وصولاً إلى حفلة «تريو نايت» الأخيرة التي اختتم بها 2022. جاءت فكرة «تريو نايت» بدعوة مجموعة من الفنانين العرب ليغنّوا بشكلٍ ثلاثي أمام الجمهور في حفلةٍ تبث على الهواء مباشرة من الرياض. طبعاً، يبدو أنّ الفكرة من بنات أفكار آل الشيخ، ويبدو أيضاً أنّ الفنانين اللبنانين والعرب لم يكونوا محضّرين للأمر، أو لم يستسيغوه على الإطلاق، فكانت الأخطاء بالجملة بشكلٍ علنيٍ وفاضح، ناهيك بالأخطاء التقنية.أحيا الحفلة الكارثية 13 مغنياً عربياً هم: نجوى كرم، عاصي الحلاني، وائل كفوري، صابر الرباعي، نانسي عجرم، لطيفة التونسية، نوال الزغبي، أصالة نصري، بهاء سلطان، أنغام، إليسا، ووليد توفيق. وبدا أنه ليس هناك أي تنسيق بين هؤلاء المغنين فضلاً عن «عدم الاستلطاف» الواضح. في المعتاد، يحاول أي فنان أن يجعل أداءه متناسقاً مع زميله خصوصاً أثناء الحفلة المباشرة، بغض النظر عن حبه أو كرهه له. بدت نانسي عجرم مثلاً ذات صوتٍ ضعيفٍ وواهن أثناء تأديتها إلى جوار جورج وسوف، فضلاً عن نسيانها بعض المقاطع. حالة النسيان هذه شهدها الجمهور مع عددٍ كبير من المؤدين الذين كانوا ينظرون إلى الأوراق أمامهم أثناء الغناء ويفتّشون عن مقاطعهم، وهذا أمرٌ يدل على عدم التحضير، أو حتى في لحظةٍ ما على نسيان البديهيات. فكثير من الأغنيات هي أشبه بالتعريف لمغنيها: فأغنية «ما اندم عليك» لنوال الزغبي شهيرة بمقدار نوال الزغبي نفسها، مع هذا شهدنا حالات نسيان. الزغبي بحد ذاتها نسيت بعض المقاطع، فضلاً عن أنها بدت ذات أداء مفتعل، وصرخت ونشزت كثيراً، هل كان هذا بسبب سوء التقنيات؟ أم أن الإنفعال والخوف كانا السبب في هذا؟ لا أحد يعلم. بهاء سلطان أحد أجمل الأصوات في جيله، كان خائفاً، مرتبكاً، متردداً، لا أحد يعلم السبب، لكنه أيضاً شارك في حفلة النشاز، وضاع حين أدّى بجوار جورج وسوف وأنغام. ويكفي فقط مشاهدته أثناء هروبه بشكلٍ غريب من إحدى المذيعات التي جربت «قطف سكوب» منه. عاصي الحلاني أو كما يحب أن يسمي نفسه «فارس الغناء العربي» لم يكن فارساً في تلك الليلة البتة. تاه في زحام الأغنيات التي لا تناسبه، خصوصاً حين أدى إحدى أغنيات نانسي عجرم، فبدا في مكانٍ لا يناسبه نهائياً. الأخطاء استمرت على هذا المنوال بشكلٍ أكثر من غريب، حتى الأغنية الختامية التي أرادوها تحية للراحل وديع الصافي كانت أشبه بأغنية كورال منها لأغنية مغنين معروفين بأصواتهم المتميزة. تخللت الحفلة ابتسامات، ضحكات، بلاستيكية، مصطنعة فضلاً عن سلامات فشل المؤدين في جعلها تبدو حارة في ما بينهم، فيما كانت الشعرة «القاصمة» لمن يسمّين أنفسهن «نجمات الغناء العربي» كإليسا وأصالة، وهن يرقصن في الكواليس أو على جانب المسرح في انتظار صعودهن على المسرح في أداءٍ مفتعلٍ مزعجٍ وثقيل.
لماذا حدث ذلك؟ ببساطة لأن هؤلاء الفنانين يخشون سطوة آل الشيخ من دون أن ننسى مال السعودية ومواسم الرياض الحالية والقادمة. هل كانوا يستطيعون أن يقولوا لا؟ أن يرفضوا هذه التجربة الغريبة؟ أن يصروا على أنه لا ينفع أن يغنوا سويةً بهذه الطريقة الارتجالية غير المجربة وحتى الحمقاء؟ بحسب الظاهر، ليس واضحاً إن كان أحدهم قد اعترض على الحفلة أو فكرتها، بل بالعكس كانت الابتسامات والضحكات والاندفاعات المفتعلة والزائدة عن حدها وخصوصاً لدى أصالة وإليسا كبيرة إلى الحد الذي يجعل المشاهد متقززاً من مقدار التمثيل غير المتقن للبهجة المصطنعة والانسجام الزائد غير الموضوعي. هل ضغط آل الشيخ على هؤلاء الفنانين للقبول بهذه التجربة الكارثية؟ بالتأكيد، فمن غيره يستطيع أن يفعل ذلك، خصوصاً أن أغلب هؤلاء الفنانين لديهم خبرة معينة، تجعلهم لا يقعون ضحية كارثة مماثلة، فأن يغني الحلاني لنانسي مع فارق الصوت وطبيعته وقوته وانسجامه، يعني أن هناك خطأً ما. أما لماذا لم يقل هؤلاء المؤدون «لا» لآل الشيخ؟ فذلك لأنهم يخشون في لحظةٍ ما مصيراً مشابهاً للمغنية المصرية آمال ماهر، أو على الأقل غضباً «سعودياً» يجعلهم يقبعون في منازلهم يتشاركون «الغياب» عن الشاشات والحفلات والمواسم الفنية في الرياض وسواها التي يسيطر عليها المال الخليجي منذ أعوامٍ عدة.
يعرف الجميع سلوك آل الشيخ المتعالي، العصبي، والنزق، وكلنا يتذكّر تغريدته الشهيرة التي وبّخ بها المغنية اللبنانية المعروفة إليسا حين سألها أحد جمهورها -والذي من الممكن أنه لم يكن جمهوراً، بل كان استجداء لأخذها لحفلات الرياض- لماذا لم تغنِّ في العاصمة السعودية. يومها، أجابت إليسا بأنّها موجودة وهم يعرفون مكانها، ليغضب آل الشيخ، ويغرد علانية: «عشان كذا لم تستحقي أن تدعي»، و«ما بننتظر محبتك، محبتك خليها ليكي، ولا شكر على واجب». طبعاً خوف المغنية اللبنانية بدا ظاهراً للغاية حين كتبت أنها تكن كل المحبة للشعب السعودي والمملكة، وأنها «مذعنة» لدعوتها في أي وقت «ليؤيدها/ يطبطب عليها» آل الشيخ مشيراً بصلافة: «أيوه كذا بوضوح، أحب المملكة وفي الوقت اللي بنطلب فيه أنا جاهز». هذه التغريدة على صلافتها، لم تكن الأمر الوحيد الذي ظهر بوضوح من آل الشيخ، فهو كان قد ظهر في مقطع فيديو قبل سنوات في شهر رمضان يلعب «البلايستيشن» مع أحد مشاهير السوشال ميديا، ويقوم برمي «مسكة» اللعبة على الشاشة فيكسرها بشكلٍ طائش مدعياً أن «اليد خربانة» (يقصد المسكة).
ما حدث في «تريو نايت» لم يكن عادياً، وليس وليد لحظته أو ساعته، إنه سلوكٌ قام به آل الشيخ، لاعتقاده بقدرته. هو شبيه بالتغريدة التي حكاها لإليسا، إن هؤلاء المؤدين بحسب آل الشيخ، وكما يظهر من سلوكه، ومن الحفلة ليسوا إلا «أتباعاً» يحضرهم للغناء، كما يريد هو، وبالطريقة التي يحب، من دون مراعاة من أي نوع، وهذا ما ظهر جلياً في «تريو نايت». فهل يستفيق من يحبون أن يدعوا أنفسهم بـ «نجوم الغناء العربي» أم أنهم سيظلون كما يراهم آل الشيخ؟