بسرعة، أتت كلمة السرّ من قطر: على موظفي «التلفزيون العربي» ترك بيروت نهائياً والانتقال في أقرب وقت إلى الدوحة. هكذا، أصدر عزمي بشارة الذي يدير «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات»، و«فضاءات ميديا» التي تأسّست عام 2012 (تضمّ كلاً من صحيفة «العربي الجديد» وشبكة «التلفزيون العربي» ومؤسسات أخرى)، قراره بضمّ الفريق اللبناني إلى العاملين في قطر، ليُكمل المخطط الذي بدأه القطريون قبل أكثر من عام، مع افتتاح قناة «العربي 2» الفنية والترفيهية، أي: تعزيز الدوحة وتحويلها مدينةً إعلامية أسوة بالإمارات والسعودية. وكانت «العربي 2» قد انضمّت إلى المحطة الأمّ «التلفزيون العربي» التي باتت تحمل اسم «العربي: أخبار» وتتخصّص في الأخبار السياسية والاقتصادية وتوابعهما.ضمن هذه السياسة، يندرج قرار إغلاق مكتب لندن العام الماضي بعدما كان قد افتتحه عام 2015 مدير «التلفزيون العربي» سابقاً عباس ناصر، وتقرّر انتقال الفريق من «عاصمة الضباب» إلى الدوحة، على اعتبار أن أزمات مكتب لندن كثيرة؛ من بينها الكلفة المالية العالية للموظفين، إضافة إلى صعوبة التعامل مع قوانين العمل البريطانية. لكنّ معظم الموظفين لم يوافقوا على الخطوة، على رأسهم عباس ناصر الذي قرّر البقاء في لندن، فجرى فسخ التعاقد معه. الحال نفسها تقريباً في مكتب بيروت، إذ تبلّغ فريق العمل الذي يضمّ عشرات الصحافيين والمعدّين والمنتجين الذين يتولّون مهامّ البرنامجين الصباحيين «صباح جديد» و«صباح النور» اللذين يعنيان بالمواضيع الاجتماعية والسياسية والترفيهية، قرار ترك بيروت نهائياً والاستقرار في الدوحة. وبالفعل، بدأ تنفيذ القرار والتحضير لتأمين إقامات للعاملين اللبنانيين الذين بدأوا يتوافدون تباعاً إلى العاصمة القطرية. ويواجه الفريق مصاعب عديدة في الانتقال، أوّلها تأمين السكن بسبب زحمة التحضيرات لمباريات كأس العالم التي ستقام في الدوحة في الخريف المقبل. هكذا، سيترك الفريق اللبناني استديوات «العربي 2» في منطقة المنصورية (قضاء المتن)، حيث كان يسجّل البرنامجين اللذين يعرضان مباشرة على الهواء، للبدء بتجربة جديدة من العاصمة القطرية.
تجهيز استديوات جديدة في مدينة لوسيل القطرية


في المقابل، تشهد الدوحة فورة إعلامية غير مسبوقة، إذ تمّ تجهيز استديوات جديدة لـ«العربي 2» و«العربي: أخبار» في برج الفردان في مدينة لوسيل القطرية، وانطلق التحضير للبثّ المباشر للبرنامجين الصباحيين. ويُفترض أن تواكب الاستديوات التطوّر التقني في عالم البثّ، بعدما خُصّصت لها ميزانيات ضخمة. ويجري العمل أخيراً لاستقدام الفريق العامل من لندن إلى المبنى الجديد في لوسيل، على أن يصل الفريق اللبناني تباعاً. وتصف بعض المصادر التحوّلات في الإعلام الذي يديره عزمي بشارة بأنها إعادة ترتيب «البيت العربي» وجمع وسائل إعلامه كلها تحت اسم «التلفزيون العربي»، وتقديم تجربة مختلفة عن قناة «الجزيرة». وتدير «العربي» اليوم مجموعة أشخاص، من بينهم الفلسطيني عثمان البتيري الذي كان يعمل في قسم المراسلين في «الجزيرة».
قرار انتقال «العربي» إلى قطر ليس جديداً، وقد جاء «المونديال» ليسرّع الخطوة، إلا أن تعزيز مكاتب الدوحة كان قد اتخذ قبل استقالة عباس ناصر. وتلفت بعض المعلومات إلى أن القطريين قرروا خوض المنافسة الإعلامية الخليجية من بابها الواسع وإعادة موضعة مؤسساتهم. إذ دخلت قطر على خطّ الصراع بين «الشقيقين العدوّين» الخليجيين، أي الإماراتي والسعودي. الثلاثي يقرأ في الكتاب الإعلامي نفسه كما يقال، أي يريد كل طرف تعزيز عاصمته وتقديم عروض مغرية للإعلاميين لتلميع صورة الحكّام. وكانت السعودية قد قررت قبل عام نقل قناة «العربية» من الإمارات إلى الرياض، وكذلك، يجري التحضير لنقل شبكة mbc السعودية إلى المملكة أيضاً. أما الإمارات، فقد قرّرت إعادة النظر في وسائل إعلامها المكتوبة والمرئية، وتعزيز سوق الإعلام بعقود جديدة، تخوّفاً من هجرة الإعلاميين من دبي إلى الرياض.
ومع انتقال «العربي» إلى قطر، بدأ البحث في وضع صحيفة «العربي الجديد» التي تتخذ من بيروت مركزاً أساسياً لها، فهل ستنتقل الجريدة إلى الدوحة أيضاً؟ يبدو أن القطريين قرروا أولاً تنفيذ خطة تعزيز الدوحة باستقدام فريق التلفزيون إلى العاصمة، على أن يتمّ لاحقاً البحث في أمر الصحيفة. وترجّح المعلومات أنّه سيتمّ تعزيز موقع الصحيفة الإلكتروني، مع الاستغناء عن الورقي لاحقاً. لا شيء مؤكد حتى الآن، فأنظار القطريين هذه الفترة موجّهة إلى شبكتهم التلفزيونية التي تقف أمام امتحان المونديال، رافعةً شعار «العربي على أرض عربية»!