سماح وأنا، كنا نتناقش كثيراً، ونختلف قليلاً. عرفته متأخّراً في العام ألفين، خلال وقفة احتجاجيّة، وسط بيروت، في ما أذكر دعماً لمطالب الأسرى المحرّرين من معتقلات الاحتلال. كنت عائداً لتوّي إلى بيروت بعد غياب 18 عاماً، وعليّ أن أعوّض أموراً كثيرة فاتتني، في مدينة تعيش أوهام الانبعاث واستعادة الروح. أخذني جوزف من كتفي صوب شاب طويل عابس، وقال لي: ألا تعرف سماح؟ سلّمت بحرارة، ومن تلك اللحظة صرنا أصدقاء، بعدما كنّا رفاقاً افتراضيين في المعركة الشاقة التي وهبها عمره. المعركة من أجل فلسطين. لطالما تساءلت عن سر عبوسه، فلا تنفرج أساريره إلا لحظة تثبيت إنجاز، أو إفحام مساجل. ثم صار عليّ أن أفك لغزاً آخر: ألا يتعب هذا الرجل من النضال؟ بعدها بسنوات عديدة (2017)، كنا جنباً إلى جنب فوق المنصّة مع المسرحي الراحل جلال خوري، في «مركز توفيق طبارة»، بدعوة من «ندوة العمل الوطني» لمناقشة آليات «تحصين الجمهور اللبناني ضد التطبيع مع العدو الإسرائيلي». يومها شرح لنا الفرق بين المناضل والناشط، بين المجتمع المدني الحقيقي، وموظفي المنظمات غير الحكومية... وأنا أراقبه فهمت هذا القاسم المشترك بين العمل الفكري وفن الإبحار خارج السرب، في كلتا الحالتين على المناضل أن يتعايش مع وحدته... أن يعرف كيف يكون وحيداً. رغم وجوده دائماً في الشارع، بين الناس، على الجبهات المدنية كافة، وفي قلب العمل الأدبي والثقافي، وسط رفاقه ورفيقاته في «حملة المقاطعة»، بت مقتنعاً الآن أن سماح كان وحيداً مع الهمّ العظيم الذي يسكنه. مسحة الحزن هذه، هي سرّه الأخير.