طلب مني في جريدة «الأخبار» أن أسهم في الملف الذي يحضرونه عن د. سماح ادريس. أجبت: «لست الأنسب، ففي «حملة مقاطعة داعمي اسرائيل في لبنان» من هم أقرب الى سماح وأفضل مني في التعبير». قالوا: «قد يكون هذا المطلوب، نحن نريد أن تكتبي عن تجربتك مع سماح ادريس في حملة المقاطعة، وهناك من سيتولى التحرير». إذا، سأحاول!ماذا؟ سأحاول! «شو هالعلقة». ماذا لو نجحت المحاولة؟ سيطلب مني سماح، الذي كان قد استعاد وعيه، أن أسهم في كتابة بيانات الحملة!
فأنا استعدت حديثاً لغتي العربية التي تعلّمتها في المدرسة، وكنت قد نسيتها بعد ذلك، إذ لم استعملها في الجامعة أو خلال سنوات العمل. لكنّني استعدتها من خلال التدقيق في معلومات بيانات الحملة لان إحدى مهامي هي الابحاث، وسماح سعيد بشخص جديد يضاف إلى متكلّمي لغة الضاد وخصوصاً أنّ للحملة دوراً في ذلك.
آه! هناك مشكلة اخرى: ماذا اكتب؟ وكيف ابدأ؟
أستطيع أن أبدأ من الليلة التي ساءت فيها حالته الصحية؟ كنا نحتفل بعيد ميلاده وفجأة هب واقفاً وخرج قائلاً: «أنا ذاهب». فكرت لحظتها: «لم خرج هكذا؟ لم يتوقف حتى ليسلم علينا!».
بعد دقائق، أو ربما ثوان، لم اعد اذكر، دخلت علينا مجدولين درويش وطلبت من د. عبد الملك سكرية (اعضاء في الحملة) أن يذهب معها. وبعدها رأينا سماح يخرج معهما. الى اين؟ الى المستشفى!
وقفنا متسائلين ماذا نفعل؟
فضلنا العودة الى بيوتنا والاطمئنان عليه عبر الهاتف حتى لا نتطفل على عائلته البيولوجية... تلك الليلة، لم ينم أحد من أفراد عائلته الفكرية، كما يرى سماح اعضاء حملة المقاطعة، لمتابعة حالته ومحاولة تقديم يد المساعدة للحبيبة عبادة، كما يسمّيها.
في طريق عودتي الى المنزل تلك الليلة، سألت نفسي «لما انا حزينة هكذا؟». فسماح ليس بصديقي كما هو صديق لدونا ورانية ومجدولين وأمل وأحمد وشيراز، وليس بأب روحي كما تعتبره رجاء وهيام، وهو ليس بقائدي أو معلمي كما يراه رامي ومحمود وآخرون؟ فيمرّ برأسي شريط سنين العمل الدؤوب في الحملة... سماح هو رفيق تلك السنين، أنتبه إلى أنّه رغم أن لكل واحد من أفراد حملة المقاطعة حياته الخاصة بعيداً عن الحملة واعضائها، مجموعات النقاش التي لا تهدأ فيها، تتدخل في صلب تفاصيل حياتنا اليومية من دون أن يكون للأفراد المقيمين في تلك المجموعات دور فيها ... وسماح من أكثر المقيمين في هذه المجموعات تفاعلاً.
أحاول أن أتذكر اختلافاتي الحادة احياناً مع سماح على تفاصيل بيان أو نشاط حتى أخفّف من الحزن الذي اشعر به، فانا ابتعد دائماً عن الامور المحزنة «وأغني لها»، فلا اتذكر الا هدوءه ولا اسمع الا معلوماته عن السياسة والثقافة والاحزاب في لبنان والعالم العربي (الوطن العربي بالنسبة له)، التي يخبرنا بها حتى نتنبه ولا نقع أو نوقع الحملة في اي خطأ.
الوطن العربي؟ ما يأخذني الى تلك النقاشات التي لا تتحكم بها الا بوصلته الفكرية المتجهة دائماً وابداً الى فلسطين. فاتذكر شعوري باشتياقي لنظافة هذا المكان الخالي من الأوبئة المذهبية التي تتجلى خلال النقاشات رغم الاختلافات الكثيرة، يوم عودتي الى اجتماعات الحملة بعد انقطاع لمدة سنتين.
وفي اجتماعنا القصري في اروقة المستشفى في اليوم التالي حيث تجمعت عائلته البيولوجية وعائلته الفكرية، قررنا أن نكمل ما نقوم به من اعمال ونؤجل ما نستطيع تأجيله الى حين عودة سماح، كتحديث الدليل أو الوثيقة مثلاً.
الدليل؟ وهل يعلم من ينتقده كم أمضى سماح ادريس من الوقت في التدقيق في معلوماته وفي تحريره وفي النقاشات لاختيار الشركات الأكثر دعماً للعدو، لتفادي زج الناس في متاهة عدم وجود البديل، من دون التفريط بمعايير الحملة؟
الوثيقة؟ وهل قرأها من يهاجمه لأنه يعتقد أنّ حملات المقاطعة وسيلة لاستبدال السلاح المقاوم، ليعرف بأنّ وثيقة الحملة التي وضع أول اسسها سماح ادريس لا تشجع على المقاطعة الا لحماية السلاح وبقاء جذوة المقاومة حية في ضمائر ووعي الناس الذين لا يستطيعون القتال، فهي تقدم لهم وسيلة لدعمه.
وهل رأى من ينتقد عمله «البرجوازي» في حملة المقاطعة، أهل المخيمات، ولا سيما مخيم شاتيلا، كيف لبّوا نداء طلب وحدات الدم؟ هل رأى وقفتهم الى جانب الاب الروحي لهم كما يسمونه؟ وهل يعرف من يتهمه بالديكتاتورية، انه احياناً لا يتدخل بالنقاشات الدائرة في حملة المقاطعة حتى لا يؤثر على احد؟
سماح، ناطرينك، لا يزال هناك الكثير مما تستطيع أن تنجزه.

* حملة مقاطعة داعمي اسرائيل في لبنان