تحت عنوان «عام في النورماندي»، يقيم متحف Orangerie في باريس معرضاً للفنان البريطاني الشهير ديفيد هوكني (1937) يستمرّ حتى 14 شباط (فبراير) المقبل. ديفيد هوكني الذي سكن في منطقة الأوج الفرنسيّة منذ بداية العام 2019، اطلعنا هناك على فصل جديد من خلقه الفنّيّ؛ منزله حديقته والريف المحيط به تحوّلت إلى عناصر ومواضيع مفضّلة لديه، منفّذة (رسماً وتصويراً) على الآيباد، تقنيّة استعملها منذ ما يُقارب عشر سنوات. كان هوكني قد عرض سابقاً، في متحف «بايو»، ما عُرف بعمله بالأقمشة وورق الجدران للملكة ماتيلد. عمل يُقارب طوله السبعين متراً، حيث الحواف قد شكّلت إفريزاً يروي غزوة «غيّوم» دوق منطقة النورماندي في القرن الحادي عشر.
في وقت كان العالم محاصراً، لا يتحرّك بسبب وباء كورونا، حقّق هوكني بتقنيّة الآيباد، على مدى أسابيع قليلة، أكثر من مئة صورة. سمحت له التقنية بالإمساك السريع والمجدّد لما يريده. على طريقة الانطباعيّين، أمسك الفنان بتفاعلات الضوء والتغيير الجوّي بخفّة وبراعة بناءً لباليت حيّة ومضيئة؛ تأليفات مسطّحة متجاورة بنبرات فن البوب. رسم هوكني الفصول على مدى عام كامل. إفريز طوله تسعين متراً يُمثّل تتابع فصول السنة.
نذكر هنا إلى أنّه في العام 2018 كان قد أُقيم معرض استعاديّ للفنان في «مركز جورج بومبيدو» تناول مراحل الفنان المختلفة وصولاً إلى أعماله الأخيرة بأحجامها الكبيرة والمدهشة. فمن يكون هذا الفنان وإلى أيّ تيّار فنّيّ ينتمي؟ وكما سنرى كيفيّة تنوّع أساليبه تبعاً لتقنيّات العصر الذي نعيشه.
* الذاتيّة الجديدة La nouvelle subjectivité
يُسمّيها البعض «اللاموضوعيّة الجديدة»، وتعني الذاتيّة في الفنّ وفق أسلوب معاصر. جاءت هذه الحركة كردّة فعل على بعض التيّارات الفنيّة التي كانت سائدة في بداية الخمسينيّات كالتعبيريّة التجريديّة والبقعيّة والفن الحركيّ واللاشكلي... تعود تسمية «الذاتيّة الجديدة» إلى الناقد التشكيلي الفرنسي جان كلير. أمّا خصائصها التقنيّة فتقوم على التالي:
- العودة إلى الواقع بأسلوب ذاتيّ، ورفض التجريد الكلّي، وعدم التقيّد بالأساليب التقليديّة كالتخطيط وقواعد التأليف المتعارف عليها.
- إدخال التقنيّات الحديثة إلى العمل الفنّي كالتصوير الفوتوغرافيّ والفوتوشوب عبر الكولاج.
- اختبار الوسائل التقنيّة الحديثة والصناعيّة.
- استعمال تقنيّة الأكريليك في الرسم.
- العفويّة والارتجال.
- الإدخال إلى العمل الفنيّ العناصر الأكثر استعمالاً في الحياة اليوميّة والأشياء المهملة، والأقلّ جمالاً بالمفهوم المتداول، والاهتمام بالثقافات الشعبية والصور المأخوذة من الحياة المعاصرة كصور المشاهير والملاهي الليليّة، والهدف منه التعبير عن المجتمع الاستهلاكيّ كما يفعل فنانو البوب آرت.
- استعمال المعادن الغريبة والجديدة.
بدأت هذه الحركة في لندن عام 1955، ثمّ انتقلت إلى أميركا حيث عرفت تطوّراً كبيراً هناك أكثر من بريطانيا بسبب الجرأة الأميركيّة بتطبيقها مستفيدة من المحيط الاستهلاكي الذي وسم حياة الأميركيّين وطريقة عيشهم...
تجلّت «الذاتيّة الجديدة» في الفنان هوكني مع الفنانين روي لشنتشتاين وأندي وارهول. وكان هوكني قد ذاع صيته في ستينيّات القرن الفائت بفضل لوحاته غير التقليديّة، المجزأة صورها لإعادة تركيبها (فوتوكولاج). هو فنان متعدّد المواهب؛ شاعر وكاتب وحفار ومصمّم أزياء ومصوّر فوتوغرافيّ بارع، حصل على جوائز عدّة في هذا المجال، استعمل صوره الفوتوغرافيّة في لوحاته بمفهوم جديد. أُنتدب من قبل أهمّ الشركات المتخصّصة في برمجة الكومبيوتر لتصميم برنامج للرسم. درس في كليّة الفنون في لندن في الأعوام (1953- 1957) ثمّ الأعوام (1959- 1962).