«كم من الوقت يمكن العيش في ظل أحد؟» بعتمة طويلة، يجيب المخرج أمير فخر الدين (1991) الجولاني الشاب عن هذا السؤال في «الغريب» (إخراج وكتابة أمير فخر الدين، تمثيل أشرف برهوم، أمل قيس، محمد بكري، أمير حليحل، هيثم عمري، محمد أبو جازي، إلهام عارف وسيلا أبو صالح)، باكورته الروائية الأولى من الجولان المحتل التي شاركت في «مهرجان البندقية السينمائي» الذي اختتم الاسبوع الماضي. تحت سماء غائمة، ينقل فخر الدين الصورة وسط أصوات الحرب. فطبيعة الجولان الجميلة لم تظهر في الفيلم، ربما لأن بطلها (عدنان) معذب ينتظر. خمسون عاماً حتى تعود الجولان إلى سوريا، وقت طويل جداً جعل الانتظار يبدو أبدياً، مما دفع بالمخرج إلى إختيار إيقاع بطيء للفيلم قد يُشعر المشاهدين بالملل، لكنّ الملل هو المقصّد كله.

يدرس «الغريب» حالة عدنان، طالب الطب السوري الذي يتخلى عن دراسته في الاتحاد السوفييتي ويعود إلى بلاده خلال حرب الأيام الستّة عام 1967 ليعيش حالة نفسية صعبة من الوحشة والتخبطات. عدنان شخصية تعيسة، مشككة، مثقلة بالنوستالجيا، صامتة، تحلم طوال الوقت أن تلقى المنزل أو الوطن الذي لا تعرفه. هي ببساطة ترجمة للفكرة التي قالها فخر الدين في إحدى المقابلات معه: «يمكن للشخص أن يحن لشيء لا يعرفه بالطريقة ذاتها التي يحن بها لشيء سبق أن عرفه».
تنعكس علاقة عدنان بأرضه على علاقته بعائلته وخصوصاً زوجته، التي كان يمر معها بتقلبات حادة، فهو يحبها لكنه يشعر بالضعف تجاهها، أما هي، فكانت تتمنى له الخلاص، تدفعه بعيداً وتحثه على فتح صفحة جديدة، لكنّ القرار صعب جداً، فهل يمكن للأشجار أن تثمر في غير أرضها؟ يسأل عدنان.
كان يمكن له أن يهاجر، أن يحظى ببيت جديد وحياة مختلفة، لكنّ وابلًا من الأسئلة استحكم عليه: هل ستكون الحياة أفضل؟ ما الذي سيتغير؟ هل سيشعر فعلاً بالانتماء إلى التغيير الجديد؟ كان يعيش طوال الوقت مع هذا الصراع الذي نقله فخر الدين سينيمائياً مستخدماً الألوان الداكنة، الضباب، أصوات الحرب التي يسمعها البطل طوال الوقت والحركة البطيئة لتوالي الأحداث.