لم تكفّ نوال السعداوي عن العودة إلى السنوات المبكرة من حيوات بطلات قصصها وأبحاثها ومؤلّفاتها. تلك السنوات التي تكرّس وعيهن الناقص والمشوّه بأنفسهن. قبل الكتابة عن شهادات النساء وتجاربهن ممن التقت بهن في عيادتها، بدأت السعداوي بقراءة سيرتها الذاتية وكتابتها. استعادت طفولتها أوّلاً، والمعارك التي خاضتها في سنواتها الأولى في قرية كفر طحلة (محافظة الدقهلية) حيث ولدت سنة 1931. وحين نقول قراءة، فلأنها كتابة تقشّر وتصيب الندوب التي تلتصق بجسد المرأة منذ الولادة. بدأت بكتابة سيرتها الشخصيّة، في «مذكّرات طبيبة» (1956) كمن يُمعن في قراءة ندوب أجيال من النساء. جاء الكتاب كسيرة أولى لها، وأشبه برحلة، أسدتها إلى فترة طفولتها. تكتب «كلُّ ما كنتُ أعرفه في ذلك الوقت أنني بنتٌ كما أسمع من أمي. بنت! ولم يكن لكلمةِ «بنت» في نظري سوى معنى واحد، هو أنني لستُ ولداً، لستُ مثل أخي!». ولدت السعداوي في أسرة من الطبقة المتوسّطة، لأم هي سيّدة ريفية بسيطة لكنها تنتمي إلى طبقة غنية، فيما كان والدها أوّل من يحقّق رغبة عائلة السعداوي بالارتقاء من طبقة الفلاحين الفقراء إلى طبقة الموظّفين في الحكومة. تشكّل وعيها الطبقي من هذا الفارق ما بين عائلتي والديها، لكنها ظلّت منحازة دائماً إلى عائلة والدها من الفلاحين. تبدّل عالم الطفلة عند سن البلوغ، لدى تجربتها الأولى مع الحيض، حيث كان عليها، نزولاً عند أوامر والديها، التوقّف عن اللعب وعن القيام بما كان يُسمح لأشقائها الصبية بالقيام به. رغم تلك السلطة العائلية، تذكر السعداوي أن والدها لعب دوراً أساسياً في حياتها. ورثت منه التمرّد على القيود، وكان أوّل من شجّعها على القراءة والمطالعة. أما أمها فراحت تختفي تدريجاً من حياتها، بانصرافها إلى المهمّات المنزلية المفروضة على النساء. في تلك البيئة المحافظة، بدأ ثقل هويتها الجنسية كأنثى يتضاعف، من خلال الأوامر والنظرات التي كانت تستهدف جسدها، ومشيتها، وثيابها. ولعلّ أكثر تلك الندوب تأثيراً ومثولاً هو عملية «الختان» التي خضعت لها وهي في السادسة من عمرها، على يدّ أربع نسوة. خلّفت تلك الحادثة جرحاً أعمق في النفس وفق توصيفها، وظل ملازماً لها طوال حياتها، وقاد حملاتها الأشرس ضدّ الختان.الكتابة والقراءة كانتا السبيل الوحيد للنجاة. مثلماً أنقذتاها من فلاحي القرية والعرسان في مراهقتها، أنقذتاها لاحقاً من عرسان يحملون الشهادات من السوربون والجامعات الأخرى. كلاهما نجاة بالنسبة إليها من رجال يهربون دائماً من زوجة غير مطيعة. هكذا استطاعت أن تتحرّر من المصير المحتّم لنساء جيلها، وتخرّجت من كليّة الطب سنة 1955، ولو أنها خاضت ثلاث تجارب زواج لاحقاً. كتبت السعداوي طويلاً عن حياتها، وأكملتها لاحقاً بسيرتها الطويلة «أوراقي... حياتي» بأجزائها الثلاثة التي بدأتها سنة 1995، والتي تبنيها من تجاربها وتجارب النساء في محيطها العائلي والمهني.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا