بعدما كان «مركز التراث اللبناني» في «الجامعة اللبنانية الأَميركية LAU» أَول مَن افتتح في الأَول من أَيلول (سبتمبر) 2019 أَنشطة المئوية الأُولى لإِعلان «دولة لبنان الكبير» بإِصدار عدد خاص عنه من مجلة «مرايا التراث»، عاد فاختَتَم هذه الأَنشطة بالندوة التواصُلية الثانية عشْرة في سلسلة الندوات الدورية التي يعقدُها عن بُعد حول شؤُون التراث اللبناني في معالمه الثقافية المختلفة. الندوة الجديدة كانت لمناسبة صدور العدد الثاني عشر من مجلة «مرايا التراث»، الـمُحَكَّمة نصف السنوية، التي يُصدرها المركز ضمن سلسلة منشوراته في الجامعة اللبنانية الأَميركية. أَعدَّ الحلقةَ مديرُ المركز الشاعر هنري زغيب، واستضاف لها كُتَّاب العدد الجديد وهم الأَكاديميون الأَساتذة: مسعود ضاهر، حسَّان حلَّاق، وسام اللحَّام، ميشال جحا، عبداللطيف فاخوري، برجيس الجميِّل، ليليان بركات.في افتتاح الندوة أَعلن زغيب أَن هذا العدد من المجلة صدَر رقمياً إالكترونيّاً، لإِمكان توزيعه مَـحلِّيّاً وعالَمياً إِلى أَوسع مساحة من القراء، ما لا يمكن بلُوغه في الطبعة الورقية. كما أَعلن زغيب عن إِطلاق التطبيق الخاص بـ«مركز التراث اللبناني» (Mobile App) ما سيتيح إِيصال أَنشطة المركز ومنشوراته إِلى جميع الهواتف المحمولة في وقت واحد، فيتَّسع جمهور المركز في لبنان والعالم.
الدكتور مسعود ضاهر أَوجز بحثه في العدد الجديد حول الظروف التاريخية التي سبقت إِعلان «دولة لبنان الكبير»، وما حدث من صراع صهيوني بين الانتدابين الفرنسي والإِنكليزي، ورفْض فرنسا ترسيمَ الحدود في منطقة نفوذها الانتدابي بين لبنان وسوريا للإِبقاء على ما سمَّته «سوريا الفرنسية»، لأَن ترسيم الحدود خضع لرغبتها في توسيع نفوذها على بلاد الشام. وهنا قامت اعتراضات قاسية أَغضبت الحركة الصهيونية على ترسيم حدود لبنان الكبير. وبعد الانتداب بقي ترسيم الحدود ضبابيّاً، وما زال لبنان حتى اليوم يدفع ضريبة هذه الضبابية.
المؤَرخ حسان حلَّاق بسط موضوع بيروت «المحروسة» وما كان فيها من ثقافة الخير والعطاء الدائم بفضل ما عُرف بـ«الوقف»، لأَن المسلمين والمسيحيين كانوا يعلنون الأوقاف الخيرية على مؤَسساتهم الدينية والتربوية والاجتماعية والصحية، ضماناً لتأْمين مداخيل دائمة من أَجل الإِنفاق على أَنشطة الجوامع والزوايا والكنائس والأَديرة والمؤَسسات التربوية والاجتماعية والخيرية والصحية وسواها. من هنا كان لهذه الأَوقاف دورٌ مهمٌّ في تنمية المجتمع والنهوض به في بيروت وكل لبنان.
الباحث وسام اللحَّام تحدَّث عن الترويج السياحي في لبنان بعدما في مطلع القرن العشرين كان الحصول على معلومات تفصيلية تتعلق بالواقع السياحي من خدمات وحالة طرق وإقامة ووضع اقتصادي يحتاج إِلى مراجعة كتُب متخصصة تقوم بنشر هذا النوع من المعلومات الدقيقة. ولذا ظهرت فئة من المنشورات تعرف بــ«الدليل» قامت بالترويج للبنان وحثّ السياح الأَجانب على زيارته والإِقامة في ربوعه، بغية التمتع بجمال طبيعته وتراثه الثقافي المتنوع والغني.
المحامي عبداللطيف فاخوري استعرض ما كان في بيروت عند مطلع القرن التاسع عشر من أَسواق بدائية كانت تتخذ أَحياناً أَسماء البضاعة التي تبيعها، وأَحيانًا أَسماء مؤَسسيها. وللدعاية والإِعلان عن البضائع وترويجها وتبيان منافعها للناس، كان التجار يتوسَّلون الشعرَ الموزون والشعر الشعبي والأَمثال العامية والكنايات والطرائف والمحاورات، والاستشهاد بآراء المشاهير وشهاداتهم. وكان ذلك سبْقًا لبيروت على بقية العواصم العربية في عالم الدعاية والإِعلان.
الدكتور برجيس فارس الجميِّل أَوجز في مداخلته بحثَه عن دور حزب «الاتحاد اللبناني» في التأْسيس لدولة لبنان الكبير منفصلًا عن ديار بلاد الشام. ومن أَجل القضية اللبنانية وخدمتها تبنّى «الاتحاد» حركة فكرية ارتكزت على عمق الوجود اللبناني تاريخيًّا، وعلى النضال ضد تركيا وضد العرب وضد فرنسا. إِذًا لا عوامل عنصرية أَو دينية دفعته إِلى هذا النضال السياسي بل قضية قومية وطنية هي استقلال لبنان. وهو ما حصل، وأَوقف يوسف السودا من الديمان في حضرة البطريرك الياس الحويك مؤَامرة إِنشاء اتحاد (فدراسيون) بين لبنان وسوريا.
الدكتور ميشال جحا تحدَّث في مداخلته عن بشمزين (الكورة) واحةً تربويةً رائدة في لبنان عبر تراثٍ تربويٍّ عُمرُهُ 170 سنة (1850 - 2020). وأَوضح دخول الإِرساليات بتأْسيس المدرسة الإِنجيلية التي لم تعمِّر طويلًا، وقامت بعدها المدرسة الأُرثوذكسية التي ازدهرت وتطوَّرت حتى باتت تستقطب التلامذة من كل الكورة وشمال لبنان، ومعظمهم كان يتخرج منها ليلتحق بالجامعة الأَميركية في بيروت. وخص في مداخلته فضلًا لافتًا لشفيق جحا الذي كان له دور رئيس في نهضة هذه المدرسة.
الدكتورة ليليان بركات لخَّصت بحثها (بالفرنسية) في العدد وهي «أُمَّة الحلم في لوحات جبران»، وشرحت كيف بقيَت في خيال جبران ملامح من بشرِّي ووادي قاديشا وجبال الشمال التي فتح عينيه عليها، فظهرت جميعها على ريشته واضحة في المعالم الطبيعية ولو المهوِّمة في ضبابية غير انطباعية واضحة، لكنها تبدو في خلفية معظم لوحاته، ما يدلُّ على الحلم الدائم في خياله للعودة إِلى الوطن الذي بقي ينبض فيه طيلة حياته بعيدًا بين بوسطن ونيويورك.