بين تشرين الثاني (نوفمبر) وشباط (فبراير)، يشهد لبنان ثلاث تظاهرات موسيقية، مخصصة، بشكل أساسي، للكلاسيك الغربي: «موسيقات بعبدات» (تشرين الثاني/نوفمبر)، «بيروت ترنّم» (كانون الأول/ديسمبر) و«مهرجان البستان» (بين شباط/ فبراير وآذار/ مارس). المهرجانات الثلاثة تتكّل، بنسب متفاوتة، على موسيقيين وفرق أجنبية، بالتالي لاستقرار الوضع في البلاد تأثير كبير عليها. يكاد لا يخلو أي موسم، في السنوات العشر الأخيرة، من خضّة أمنية أو سياسية، أضيف إليها، هذه السنة، البعد الاقتصادي الذي انفجر مالياً وشعبياً قُبيْل انطلاق أولى هذه النشاطات، أي «موسيقات بعبدات». المهرجان المتني أجَّل جميع أمسياته، بعدما انطلقت الانتفاضة الشعبية بملامح لامركزية، أنهت احتكار بيروت للمظاهرات المطلبية. هذا التأجيل، وفي ظلّ إصرار الناس على عدم الخروج من الشارع، تلاه إلغاء الدورة التي كانت مرتقبة مطلع الشهر الحالي.في هذه الأثناء، ولمّا كانت انطلاقته مقررة، كالعادة، في الأول من كانون الأول (ديسمبر)، اتّخذ القيّمون على مهرجان «بيروت ترنّم» وضعية الترقّب. ألغوا بدايةً المؤتمر الصحافي الذي كان مقرراً في التاسع عشر من الشهر الماضي، ثم انتظروا التطوّرات التي من شأنها الدفع بأحد الاتجاهَين: إلغاء الدورة أو إجراء تعديلات على البرنامج، بعدما بات احتمال السير بالبرنامج كما رُسِمَ في الأساس غير وارد على الإطلاق لأسباب مادية ولوجستية. مرّت الأيام ودارت الأسابيع، وبات واضحاً أن لا صوت يعلو فوق صوت الشارع. هكذا مال المنظّمون إلى الإلغاء، قبل أن يختاروا الصمود والمغامرة، على قاعدة أن المساكنة بين صوت الشعب وصوت الموسيقى ممكنة، لا بل ضرورية. فالأمسيات مجانية، وستحصل في وسط بيروت التجاري ومحيطه، بالتالي، اعتبر المهرجان أنها قد تتحوّل إلى فسحة جميلة متاحة أمام الناس لأخذ استراحة من «الرينغ» بين جولتَي «ملاكمة». لكن، مع اقتراب الافتتاح، راحت الأسماء الأجنبية تتراجع عن قرار المشاركة في «بيروت ترنّم»، فبقيت حفنة صغيرة من الموسيقيين الآتين من خارج الحدود (علماً أن معظمها مكرر سبق أن شارك في المهرجان، وهذه نقطة ضعف لا دخل لها بالأوضاع، وطالت أساساً دورات سابقة)، بالإضافة إلى الفرق والفنانين المحليين. يبقى أن نشير، وقبل الدخول في برنامج المهرجان البيروتي، إلى أن مصير «مهرجان البستان» لا يزال مجهولاً، في انتظار تحديد موعد للمؤتمر الصحافي الذي سيبيّن شكل الدورة المرتقبة نظراً للظروف الراهنة وتطورات الأسابيع المقبلة، هذا إذا لم يأخذ منظموه خيار الإلغاء، خاصّة أنه، وبخلاف «بيروت ترنّم»، يتّكل على الأجانب بشكل شبه كلّي، من ناحية، ومن ناحية أخرى، حضور أمسياته غير مجاني، بالتالي فهو يتأثّر جداً بالأوضاع الاقتصادية.
إذاً، تنطلق الدورة الـ12 من «بيروت ترنّم» مساء غدٍ الأحد، وتستمر لغاية 22 كانون الأول (ديسمبر) المقبل. على البرنامج أمسيات يومية، بدون انقطاع، تستضيفها، عموماً، كنائس وكاتدرائيات وسط بيروت ومحيطه والافتتاح مع بيتهوفن (1770 — 1827)، كما كان متوقّعاً، إذ يحتفل العالم بالذكرى الـ250 لولادته في 2020. على البرنامج عمل واحد للمؤلف الألماني، من فئة الأعمال الدينية غير الغنية (كماً) في ريبرتوار الرجل، والخيار محصور، عموماً، في ثلاثة أعمال: القداس الاحتفالي، القداس المعروف باسم النغمة المكتوب على أساسها أي «دو» (Mass in C major) و«المسيح على جبل الزيتون». وقع الخيار على العمل الثاني، الذي لا يتمتّع بضخامة الأول، لكن شهرته تتخطى الثالث. يؤدّي قدّاس بيتهوفن مجموعة من المغنين المنفردين الأجانب، بالإضافة إلى جوقة «الجامعة الأنطونية» و«الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية» بقيادة الأب توفيق معتوق، المدير الفني للمهرجان.
تتوالى بعده المواعيد اليومية التي تذهب فيها حصة الأسد للترانيم الميلادية والإنشاد الديني والموسيقى الكلاسيكية الغربية، الغنائية والآلاتية، فتطلّ الفنانة جاهدة وهبي في 3/12 (كنيسة مار مارون/ الجميزة) والسوبرانو ريم ديب في 6/12 (الجامعة الأميركية) يليها في اليومَين التاليَين الشيخ أحمد الحويلي في أمسية إنشادية صوفية مشتركة مع الفنانة غادة شبير (كنيسة القديس يوسف/ مونو) ثم المغنية عبير نعمة في برنامج من وحي الميلاد (كنيسة مار الياس/ القنطاري)، قبل أن يختم المشاركة اللبنانية في المهرجان الثنائي أسامة الرحباني/ هبة طوجي في 15/12 (كنيسة القديس يوسف/ مونو). في الجانب المحلي، يشهد «بيروت ترنّم» أيضاً أمسيات عدة لجوقات محلية، سبق أن قدّمت أمسيات في الدورات السابقة.
أما في ما يتعلّق بالأسماء الأجنبية، المغمورة أو المكرّسة التي تتمتّع بشهرة كبيرة ومستوى عالمي في مجالها، فأبرز الوجوه هذه السنة عازف البيانو الفرنسي برتران شامايو الذي سبق أن زار لبنان، أكثر من مرة، من ضمنها مشاركته السنة الماضية في المهرجان الميلادي. شامايو يقدّم أمسية عزف منفرد وحيدة في 21/12 (كنيسة القديس يوسف/ مونو)، لكن يسبقه زملاء لا يقلّون قيمة وشهرة. على رأس هؤلاء السوبرانو المرموقة جيسيكا برات التي تحيي أمسية في 13/12 بمرافقة الأوركسترا الوطنية بقيادة توفيق معتوق (كنيسة القديس يوسف/ مونو) تليها أمسية موسيقى حُجرة للثنائي لورنزو غاتو (كمان) وجوليان ليبير (بيانو) في 17/12 (كنيسة مار الياس/ القنطاري). وهنا يمكن الإشارة إلى أمسية كلاسيكية لعازف الفلوت اللبناني المغترب والمرموق، وسام بستاني في 18 الشهر المقبل، تستضيفها قاعة «أسمبلي» (الجامعة الأميركية). إلى ذلك، يحجز المهرجان ليلة 12/12 على شكل تحية لمحمود درويش بعنوان «نشيد الأناشيد» (كنيسة مار مارون/ الجميزة)، وهو عرض فرنسي يعود إلى عام 2010 تتولاه مجموعة رودولف بورجيه، المؤلف الموسيقي وعازف الغيتار الفرنسي.

* «بيروت ترنّم»: بدءاً من مساء غدٍ الأحد حتى 22 كانون الأول (ديسمبر) ــــ كنائس وكاتدرائيات وسط بيروت ومحيطه ــــ الأمسيات مجانية