يخوض المخرج المسرحي الشاب زاهر قيس تجربة جديدة في مسرحيته «إضراب الحرامية»، التي ستعود إلى العرض في «مكتبة بعقلين الوطنية» خلال شهر آب (أغسطس) المقبل. لا تكمن أهميّة التجربة في العمل المسرحي فحسب، بل في كل تفاصيله، بدءاً من مكان العرض، وأبطاله، وشخصياته، ونصّ المسرحية نفسها، إذ تعدّ المسرحية (1971) التي كتبها الراحل أسامة العارف من أبرز أعماله التي أسهمت في حداثة المسرح في بيروت، خصوصاً بعدما قدّمتها نضال الأشقر وروجيه عساف ضمن «محترف بيروت للمسرح»، فيما تولّى الديكور التشكيلي الراحل بول غيراغوسيان. لماذا يعيد قيس طرق باب العمل في هذا الوقت تحديداً؟ المسرحية التي أحدثت خضة في البلد حين عرضت خلال السبعينيات، «لا تزال تجسد الواقع الذي نعيشه في لبنان والعالم العربي» يخبرنا قيس، مضيفاً «المافيا والدولة متفقتان دائماً على تقاسم السرقات. تقوم أبرز نصوص العارف على فكرة أنه إذا ما أضرب السارقون والحراميّة، فسيتمكّنون من شلّ البلد تماماً». يكمل الشاب: «مررنا بتجارب مماثلة في بلدنا، عندما يقررون ألا يسنّوا القوانين ولا يشرّعوا، يشلّ البلد». يحاول قيس إذاً أن يقدّم مسرحاً هادفاً، لكن المشروع يشمل فكرة «المسرح القروي»، خصوصاً أنه لا يقدّمها في المسارح المعتادة. يصرّ قيس على عرضها داخل قرى الشوف، وإشراك أبطالٍ من المنطقة ومحيطها، ضمن ما يطلق عليه «حماية البيئة المحلية للثقافة»، بهدف خلق مسرح بعيد عن بيروت. هكذا بدأت المبادرة منذ تسعة أشهر، حين التقى قيس بمتخرّجي كلية الفنون في الشوف، قبل أن يقوم بتجربة أداء في قراها، «فوجئنا بالأعداد التي فاقت ١٢٠ شاباً وصبية، فاكتشفنا تعطش الشباب للمسرح في هذه المنطقة. جاء مدربون من النروج والدنمارك، وقمنا بورش تدريبية مجانية في بيروت». المفاجأة نفسها وجدها المخرج في عدد الجمهور الذي ملأ القاعة لحوالى 9 أيام حين عرضت في «المكتبة الوطنية في بعقلين». يستفيض قيس في شرح تجربته التي يحتاج إليها المسرح في أي بلد من بلدان العالم الثالث فنياً، وهي شبيهة بتجربة المسرحي السوري والفنان أيمن زيدان الذي قضى أكثر من عشر سنوات يجول على القرى مقدّماً مسرحاً هناك بلا مقابل. هذا ما فعله المسرحي اللبناني روجيه عسّاف الذي قضى سنواتٍ في جنوب لبنان إبان الحرب الأهلية، يدرّب أهل القرى على المقاومة «مسرحياً» وخلق «مسرحيات» تحاكي همومهم وواقعهم بالطريقة نفسها.

في الإطار عينه، تضم المسرحيّة عدداً كبيراً من الممثلين والمؤدين، وهو 15 ممثلاً يؤدون على المسرح في آنٍ واحد، وهو عددٌ كبير لا يجعل مهمّة الإخراج سهلة بالنسبة إلى أي مخرج، خصوصاً لناحية السيطرة على هذا العدد. وفيما يتجنّب مخرجون مخضرمون القيام بخطوة كهذه، يقوم مخرج «إضراب الحرامية» بهذه المغامرة على طريقته الخاصة، مؤكداً أنّ «الممثلين ضمن الجمعية يبلغ عددهم ١٢٠ شاباً وصبية، اخترنا منهم ١٥. المتعب أننا قمنا بعرضين في بيروت، لكن الأمر تطلّب جهداً كبيراً. كما أصررنا على أن نحقق الأهداف التي وضعناها». نسأل إن كان لغياب «النجوم» تأثيرٌ على المسرحية مادياً أو على الأقل بالنسبة إلى حضور الناس، خصوصاً أن وجود «نجوم» يعرفهم المشاهدون يمنح العمل جاذبية أكبر وتغطية إعلامية أوسع؟ يوضح قيس: «هدفنا كان خلق مسرح وجمهور وثقافة مسرح في المنطقة التي نوجد فيها. الطاقم كله من الشوف بجميع العاملين فيه، من الممثلين والموسيقيين ومصمّمي الديكور والملابس. في النهاية، صنع هذا العمل في الشوف من الألف الى الياء، مع شبان لم يعملوا في المسرح سابقاً. لم نتوقّف عن التمرين طوال مدة ٩ أشهر، مرّتين أو ثلاثاً في الأسبوع». يكمل هنا مشيراً إلى إمكانية عرضه في بيروت لـ«نعطي الممثلين دعماً معنوياً بأننا يمكننا العرض في أي مكان، خصوصاً أن مستواه لا يقل عن عروض العاصمة».
إذاً بعدما عرضت أخيراً، ستعود إلى العرض مجدداً في «مكتبة بعقلين الوطنية» خلال شهر آب (أغسطس) المقبل. يشدّد قيس على توجيه الشكر إلى «مكتبة بعقلين الوطنية» و«وزارة الثقافة» اللتين «فتحتا لنا المكتبة لمدة تسعة أشهر، خصوصاً مديرها غازي صعب، إضافة إلى كل الطاقم من الموسيقى الى الديكور، وكل من أسهم في العرض». يصرّ قيس على الاستمرار كي «نعيد المسرح إلى الواجهة، وأتمنى أن تعمّم هذه التجربة على كل المناطق». وعن سؤالنا عمّا إذا كان سيشارك في مهرجانات بعمله، يجيب: «أتمنى بالطبع أن نشارك في المهرجانات، خصوصاً أننا صوّرنا العرض وسنرسله، فضلاً عن أن الممثلين استطاعوا أن يشدّوا انتباه الجمهور لساعة ونصف، وهذا إنجاز كبير، فما المانع إذاً من المشاركة في المهرجانات وإعادة هذه التجربة الناجحة».

* مسرحيّة «إضراب الحرامية» لزاهر قيس: شهر آب (أغسطس) المقبل ــ «مكتبة بعقلين الوطنية» (الشوف).