صلاح صلوحة... انطفأ «شيخ الوراقين»
انطفأ أمس صلاح صلوحة (1948- 2019)، أشهر بائع كتب أرصفة في دمشق. كان الرجل يحتضر في إحدى المستشفيات الحكومية منذ أشهر، من دون أن يزوره أحد، ولكن ما إن أُعلن عن وفاته حتى استنفر الفايسبوكيون بمراثٍ تمتدح تاريخ «شيخ الورّاقين» ومآثره على مكتباتهم الوهمية. وبدا أن الجميع قد بنوا مكتباتهم من كنوز «أبي نادر» النفيسة، رغم أن معظم هؤلاء بالكاد يقرأ كتاباً في العام. مات صلاح صلوحة منذ أن فقد مستودع كتبه في حي الحجر الأسود، إثر اقتحام التكفيريين الحي المتاخم لمخيم اليرموك، وانتهى الرجل إلى بسطة متواضعة تحت جسر الرئيس كشريك لبائعٍ آخر، ببقايا كتب ومجلات ومعاجم، لم تسلم من مضايقات دوريات شرطة البلدية. إنه ضحية نموذجية لإفرازات الحرب، فعلى بعد خطوات من كهف الكتب شبه المهجور، كان الزحام على أشدّه حول باعة الخردة والتبغ والمرطبات والكتب المقرصنة. جرّب صلاح صلوحة أن يعيد لكتاب الرصيف مجده الآفل، من دون جدوى، في غياب قارئ الأمس، والقدرة الشرائية الضئيلة لقارئ اليوم، فلجأ إلى مهنٍ أخرى: محاولات في الكتابة الصحافية، وكومبارس في السينما والتلفزيون، وبائع مياوم في معارض الكتب، وأحلام يقظة ــ فوق سرير ضيّق في بيت مستأجر ــ بكتابة رواية عن حياته. الصبي الذي تذوّق طعم القراءة من أوراق المجلات المستعملة التي كان والده يرسله لشرائها بقصد لف قطع الهريسة، سيهجر عربة بيع الحلوى، ويغادر إلى بيروت. هناك عمل موّزعاً للمجلات عند شارات المرور. بنشوب الحرب الأهلية في لبنان، منتصف السبعينيات، عاد إلى دمشق ثانية، ثم غادرها إلى مصر وتونس والمغرب وإسبانيا بائعاً للكتب المستعملة. بإفلاسه اضطر للعودة إلى دمشق، فعمل حارساً في مكتب للطيران، لتحتل كتبه الرصيف المجاور، ثم طوّر عمله بشراء مكتبات بعض المثقفين، وتوثيق المجلات الفكرية والأدبية القديمة التي يحتاجها طلبة الجامعات في أبحاثهم. لم يمت صلاح صلوحة أمس، إنما مات مع أول قذيفة أطاحت كنوزه، منهياً حياةً مستعملة مثل كتبه.