أيتها السنة التي دخلت لتوّها من الباب، لا يحق لك يا صغيرتي أن تبولي في طعام أبيك، فأنا والناس جميعاً في هذا العالم، محض طبخاتٍ قدمتها لك تلك السنوات السابقة، التي هي بمثابة أسلافك، فاهدئي قليلاً يا حبيبتي، التي تغفو الآن في عالم الغيب، لتبدأ هطول أيامها وسط الصقيع والبرد والتجمد، ووسط هذه الأخبار العاتية التي تشبه الأمواج الركيكة، أيتها الصغيرة التي تتهيأ للقتل والتآمر والرياح والحروب والخطب، قبل أن تعودي بعد شهور ليلتهمك التكرار وتبتلعك العادة، تلك التي التهمت كل السنوات السابقات. أعدكِ أيتها الصغيرة بألا أكون وغداً مَعك، مثلما كانت أمك 2018 وغدةً معي، حيث أفقدتني أكثر من نصف دخلي الشهري، لأن دولة ما ــــ كانت بالأمس تحلم بالثورة ــــ لم تعد الآن تؤمن بالصحف، أعدك بالعناد والإصرار، وأن أظل أكتب وأنشر، وأبحث في الوردة عن الرحيق، بطاقة لا تنفد وعزم لا يلين.
أعدكِ أيتها الحبيبة بأن أمشي أكثر، لكي أستطيع أن أحبَ أكثر وأكتب أكثر، سوف أقبِّل الناس ــــ وخصوصاً الأطفال ــــ في الشوارع أكثر، سوف أبتسم للعجوز التي تعبر بجواري، وربما أخذتُ بيدها إلى الضفة الأخرى من الشارع، وبحركة من يدي سوف أوقف السيارات لتمر سيدة عجوز في هذا العالم، من دون أن يحدث الأذى، سوف أمشي كثيراً، فما قيمة الحب يا حبيبتي بدون مَشي طويلٍ ومُهلك. ولو ساعدتني الظروف سوف أبكي أكثر، أكثر من كل الأعوام السابقة، فربما كانت الكارثة أنني لم أكن أبكي ــــ من قبل ــــ بما فيه الكفاية.
أيتها الشقيقة القادمة من اللهب والعواصف والتهجير والشقاء والثورات الطائشة، ليس نصراً أن يموت آلاف الأبرياء في قصف واحد. ليس عدلاً أن يجوع الناس والطعام مُراق في قصر واحد. ليس وطناً ذاك الذي يتسول المستشفيات من جيوب الفقراء، ويبني السجون من الموازنة العامة للدولة. اهدئي علينا يا ابنة السنوات التي ثُرنا فيها، فكان العقاب أن نجوع وأن تتقوَّس في الميادين أحلامنا البيضاء كرايات الهزيمة، وحين جئتِ إلينا صغيرة. قلنا لك اهدئي، فقد تشققت عظامنا من فتحات الندوب، وانسدت آذاننا من كثرة الكذب، ولم يعد أمامنا سوى أن نجلس ونكتفي بالنظر، وأنت تأتين في البداية هوجاء كقطار فالت من قطارات العالم الثالث، لكي تعبري بعد عام، عرجاء كالزمن.
بالنسبة إليّ لا يزال ــــ وعلى الرغم من كل ما قيل ــــ هناك الكثير من الأمل في 2019. عن نفسي أنتظرُ صدور ديواني الخامس «الأيام حين تعبر خائفة» خلال «معرض القاهرة الدولي للكتاب» (يناير 2019)، وأعمل على كتابة الجزء الأول من السيرة الذاتية تحت عنوان «قطار بطيء إلى القاهرة». كما أعمل على مشروع كتاب بعنوان «التاريخ إذا روته قنينةُ خمر» أسرد فيه قصة التاريخ الطويل الذي عاشته الخمور في مصر عبر العصور، منذ سنة 3000 قبل الميلاد إلى اليوم، في محاولة لفهم جوانب مهمة في الوجدان المصري. كما أتطرق إلى قصة الخمور في الثقافة العربية قبل الإسلام وبعده، كما في الثقافة الشعبية العربية، وفي قصص «ألف ليلة وليلة» أيضاً.
* شاعر مصري