من بيروت إلى بودايّ (بعلبك ـ البقاع) كانت رحلة السينمائي الشاب حمزة شمص. تجربته في بيروت وزواريبها، امتدت على 12 عاماً (2005-2012)، قبل أن يصل اليوم الى تنفيذ مشروعه بعد جهد امتد لأكثر من عام. إذ تمكّن بمبادرة فردية، وبمساعدة مجموعة من الأصدقاء، من جمع حوالى ألفي كتاب، و133 فيلماً، و14 لعبة تعليمية للأطفال. ثمرة هذا الجهد كانت مشروع «شاهربان» (اسم والدته)، أو تلك المساحة الحرّة، لأطفال وشبان/ ات ريف بعلبك.

يقول لنا شمص إنّ المشروع يهدف الى «تشارك المعلومة» المجانية والمتاحة للجميع، و«كسر احتكار المعرفة»، ومركزية العاصمة. الاسم الذي استلهمه من والدته، كون الأم لديه «هي أصل الطبيعة»، وبالطبع للكتب صلة بهذا المفهوم الورقي والأساسي، يوازيه مشروع آخر أطلق عليه اسم «شام» (اسم ابنة شقيقته)، يجمع بين «الديجتيل» و التماثلي (Analogue)، بين الورق وثقافة الموبايل وتفرعاته. هذان المفهومان في صدد إبصار النور في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، من خلال دمجهما، في مكان واحد يخرج عن تقليد شكل المكتبة الكلاسيكية، ليتعداه إلى أنماط أخرى تدخل فيها الموسيقى، والتكنولوجيا، والسينما، وبالطبع الكتب الورقية، ضمن رؤية بصرية تتكامل مع محيطها. إذ سيصار إلى تزيين جدران البلدة البقاعية برسوم الغرافيتي المختلفة، وسيشارك الأطفال أيضاً في هذا النشاط.
بدأت القصة إذاً في بيروت، من التماس الشاب البقاعي مع ثقافات ومصطلحات وحتى مفاهيم مختلفة. تعزّز الأمر ـــ كما يروي لنا ـــ مع مجموعة الحراكات المدنية التي بدأت في تلك المرحلة، من مظاهرات نسوية، وأخرى مطلبية على خلفية أزمة النفايات (2017). هنا، بدأ يحصل الاحتكاك أكثر مع شرائح ومشارب مختلفة، إضافة إلى تنفيذه لاحقاً مجموعة أعمال فيديو لأطفال بلدته، كانت تظهر معهم في كل مرة مجموعة كتب. هنا، بدأت الفكرة تتبلور أكثر، وتكثر معها الأسئلة حول الشرخ الحاصل بين العاصمة، والأطراف النائية، في ما وصفه بـ«الصدام»، ما يحرم أبناء هذه المناطق من حقهم في المعرفة المجانية. لمعت الفكرة في نقل هذه المعرفة بالإمكانيات المادية والبشرية المتواضعة (لا تمويل إلى الآن)، والاتكاء على فكرة تبادل الكتب، والاستحصال عليها ممن يرغبون في منحها مجاناً.
يسرد شمص قصة ذهابه مرة إلى مقهى «رواق» في مار مخايل، حيث أقام مرة نشاطاً («حواضر الشرق الأوسط»)، يقوم على نسق تبادلي بأن يطهو مقابل أن يحصل على كتب. وقتها استحوذ على 150 كتاباً، واليوم وصل الرقم إلى ألفي كتاب وأكثر ستجد مكانها في مكتبة في بوداي، عسى أن تنتقل عدوى هذه التجربة إلى باقي البلدات البقاعية، كما يأمل شمص، وتتوسع وتحقق أهدافها المرجوة.