وليس ثمة أسوأ من حظ سها الملا (42 عاماً)، النازحة من مدينة غزة إلى مخيم دير البلح وسط القطاع، والتي كانت بدأت قبل الحرب جلسات علاجية لتبديل معظم أسنانها في الصف السفلي، إذ خضعت لجلسات خلع الأسنان القديمة، ولكن اندلاع الحرب منعها من استكمال جلسات العلاج المخصصة لتركيب الأسنان البديلة. وبكلمات متكسّرة، تحدثت الملا إلى "الأخبار"، قائلةً: "توقّعت أن تنتهي الحرب سريعاً، وأن أعود إلى استكمال جلساتي العلاجية، ولكن عاماً كاملاً مضى وأنا على هذه الحالة الصعبة". وتوضح السيدة أنها حاولت مراراً البحث عن طبيب آخر في عيادات الجنوب، لتركيب أسنان بديلة، "ولكني، في كلّ مرّة، كنت أصاب بخيبة أمل، وأعود إلى خيمتي بخيبتي".
تغيّرت أولويات الرعاية الصحية لدى المواطنين، ليصبح علاج الأسنان التجميلي أمراً ثانوياً
وفي ظلّ تعطّل قطاع طبّ الأسنان، لجأ الأطباء المتخصصون إلى امتهان مهن أخرى، من أجل إعالة أُسرهم؛ ومن هؤلاء، الطبيب فادي مرعي (38 عاماً) الذي كان يمتلك عيادته الخاصة في مدينة غزة قبل الحرب، وأصبح الآن يدير كشكاً لبيع الفلافل جنوبي القطاع. ويقول مرعي، الذي تتألف أسرته من ستة أفراد، لـ"الأخبار": "كانت لي عيادتي الخاصة المجهّزة بأحدث المعدات الطبية، لم تكن فقط مصدر رزقي، بل كانت توفّر العمل لطبيب آخر وسكرتيرة يعملان معي". ويلفت إلى أنه أنفق أكثر من 20 ألف دولار ليحقّق حلمه في امتلاك عيادة متكاملة، "لكن الحرب دمّرت كلّ شيء، وهدمت كل أحلامنا وطموحاتنا وإنجازاتنا". واليوم، يجد الطبيب الشاب نفسه أمام موقد بسيط يُعدّ فيه الفلافل، مُجبراً على التأقلم مع واقع جديد يختلف تماماً عن حياته السابقة.
وفي هذا الإطار، يقول مدير نقابة أطباء الأسنان في غزة، محمد كشكو، في حديث إلى "الأخبار"، إن "الحرب الحالية دمّرت بشكل واسع قطاع طب الأسنان، إذ تعرّضت معظم العيادات الخاصة، التي تشكّل الأساس في تقديم هذه الخدمات، لدمار شبه كامل في مختلف مناطق القطاع شمالاً وجنوباً"، ما أدى، بحسب المسؤول، إلى نقص حاد في المواد الطبية، وصعّب تالياً على الأطباء مواصلة تقديم الرعاية للمرضى، ولا سيما في ظلّ الافتقار إلى الطاقة الكهربائية اللازمة لتعقيم الأدوات وتشغيل الآلات وأجهزة التصوير المقطعي. ويبيّن كشكو أن تدمير البنية التحتية، بما فيها الطرق والمرافق الخدمية، أعاق قدرة المرضى على الوصول إلى العيادات، مشيراً إلى أن النقابة أطلقت رابطاً لتسجيل العيادات المتضرّرة، بهدف توفير إحصاءات دقيقة تُسهم في تعويض الأطباء بعد انتهاء الحرب. كذلك، يلفت إلى تزايد الإصابات الناتجة من الأسلحة المستخدمة، "ما يغيّر أولويات الرعاية الصحية لدى المواطنين، ليصبح علاج الأسنان التجميلي أمراً ثانوياً، مقابل التركيز على معالجة الإصابات". وفي ضوء محدودية المبادرات الحالية، يدعو كشكو إلى إنشاء عيادات حكومية في مناطق النزوح لتقديم خدمات طب الأسنان بأسعار رمزية للمواطنين.