بعد انتهاء الحرب التي فُقد أو احترق أثناءها عدد كبير من السجلات، قام موظفو الإدارات العامة بإعادة تكوين بعضها بالاستعانة بالسجلات المستنسخة التي كانت بعض الإدارات تعمل عليها وتحفظها في أماكن آمنة. رغم ذلك، لا تزال بعض السجلات الرسمية مفقودة، ما يؤدي إلى مشكلات للمواطنين. فأحدهم، مثلاً، لا يزال مدوّناً على صحيفته العدلية إشارة حكم مرّ عليه أكثر من 30 عاماً، ولم يتمكن من إزالته بسبب فقدان الملف القضائي!وتعاني الدوائر العقارية رغم مكننتها من مشكلات في بعض العقارات التي لا تزال محفوظة منذ الحرب. ورغم وجود حلول قانونية لها عبر القاضي العقاري، إلا أن الدولة قادرة على تجنيب المواطنين كلفة اللجوء إلى القضاء وأتعاب المحامي.
اليوم، مثلاً، دوائر كتّاب العدل في مختلف المناطق اللبنانية، ولا سيما الجنوبية منها، مهدّدة بالضياع. فوفقاً لنظام كتّاب العدل، يجب نقل السجلات الورقية، لكن هذا لا يعني الاكتفاء بالأوراق والمستندات الورقية غير الممسوحة ضوئياً. لذلك، على وزارة العدل أن تعمم على كتّاب العدل المباشرة فوراً بإجراء مسح ضوئي لسجلاتهم ومستندات المواطنين والاحتفاظ بها على أقراص مدمجة إلكترونية ومحفوظة بشكل لائق، خوفاً من ضياع حقوق المواطنين.

إدارات ومؤسسات عامة فقدت سجلاتها في الحرب
أثناء الحرب اللبنانية، فقدت عدد من المؤسسات العامة سجلاتها، ما أدى إلى تعذّر إجراء حسابات وقطوعات حساباتها عن تلك السنوات، فأفتى ديوان المحاسبة بموجب رأيه الرقم 40 تاريخ 15/11/1995 بأنه «إذا استحال على أي مؤسسة عامة إعداد حساباتها بسبب قوة قاهرة أو ما شابه ذلك من أسباب الاستحالة المطلقة يسقط عنها حكماً موجب إعداد حساباتها عملاً بالمبادئ القانونية العامة».
ومن هذه المؤسسات التي طالها الدمار والقصف مصلحة مياه الباروك ومركز بيروت المؤقت في وزارة السياحة، ما أدى إلى احتراق السجلات والمستندات المتعلقة بحسابات السنوات السابقة لعام 1991، فأفتى الديوان بجواز إعفاء مصلحة مياه الباروك من تقديم قطع حساب تلك السنوات للاستحالة المطلقة الناتجة من قوة قاهرة.

ماذا عن سجلات الكتاب العدل؟
يجوز للكاتب العدل نقل مركز دائرته ضمن نطاق صلاحيتها المناطقية بعد موافقة وزارة العدل. ولكن لا تُنقل هذه السجلات إلا بناء على أمر صادر عن السلطة القضائية. ويتوجب على الكاتب العدل الذي أُتلفت أو تضررت سجلاته لأي سبب أن يبلّغ وزارة العدل التي تنتدب على وجه السرعة من يقوم بإجراء الكشف ووصف الحالة ووضع تقرير مفصل بها بحضور الكاتب العدل ويُحفظ أصله لدى وزارة العدل، وتسلّم نسخة عنه للكاتب العدل بموجب نظام كتاب العدل ورسوم كتابة العدل الصادر بموجب القانون رقم 337 تاريخ : 08/06/1994.

ماذا لو ضاعت حقوق الموظف مع ضياع السجلات؟
وزارة الاتصالات رفضت إعطاء أحد الموظفين إفادة بخدماته السابقة لدى الوزارة، وتذرّعت بفقدان ملف سجل العاملين لديها بسبب تعرّض المبنى للقصف، فقرر مجلس شورى الدولة أن الإدارة أخطأت ولا يمكنها التذرّع بهذا السبب لإعفائها من المسؤولية طالما أنها استمرت في دفع رواتب موظفيها وحفظ السجلات والملفات والقيود العائدة إليهم في الإدارة المختصة ووزارة المالية، وألزمها بالتعويض على الموظف المتضرر. ويعود إلى مجلس الشورى تقدير التعويض الذي قدّره بمبلغ عشرة ملايين في عام 2008 بموجب القرار الرقم 567/2008 على اعتبار أنها تسبّبت بضرر للموظف أدى إلى حرمانه من ضم خدماته والنقص في معاشه التقاعدي.
على الدولة أن تبدأ فوراً بمكننة السجلات الرسمية واستنساخها إلكترونياً وحفظها في أماكن آمنة


كذلك، تعاني بعض دوائر النفوس من أخطاء في سجلاتها بسبب الاعتماد على السجلات المستنسخة بعد ضياع الأصلية أثناء الحرب. لذلك، فإن اعتماد المكننة الكاملة أو الجزئية لحفظ هذه الملفات على سحابات إلكترونية أمر ضروري فوراً، ومن دون أي إبطاء لمنع ضياع حقوق الناس. وعلى الدولة أن تبدأ فوراً، ومن دون إبطاء، بمكننة السجلات الرسمية واستنساخها إلكترونياً وحفظها في أماكن آمنة، وخصوصاً في هذا الوقت العصيب الذي تمر به البلاد في ظل الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان.

الضريبة لا تنقضي باحتراق الملفات
في أواخر عام 1971 كلّفت ضريبة الدخل في وزارة المالية إحدى الشركات بمبالغ محددة. وبعدما تقدمت الشركة بطعن أمام مجلس شورى الدولة لإبطال التكليف، كان جواب وزارة المالية أنه يتعذر عليها تقديم جواب لتعذّر الوصول إلى الملف المذكور، لأنه موجود في مبنى مصلحة الواردات الواقع في شارع بشارة الخوري والذي تعرض للحرق، فقرر مجلس شورى الدولة بموجب قراره الرقم 197/1988 أن ديون الدولة صحيحة لأن التكليف الإضافي يعدّ نافذاً بتوقيع رئيس مصلحة الواردات عليه دلالة لصدوره عنه وإبرامه.

كيف يُعاد تكوين بعض السجلات الرسمية؟
اتُّخذ القرار بإعادة تكوين السجلات والمستندات الرسمية والخاصة التي فقدت أو أتلفت في الأحداث بالاستناد إلى المرسوم الاشتراعي 89/1983 الذي أجاز للإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات ذلك وفقاً للأصول الآتية:
1 - بالاستناد إلى مختلف القيود والسجلات والمستندات والبيانات المتوافرة لدى الإدارات العامة والمؤسسات العامة أو البلديات أو اتحادات البلديات.
2 - بالاستناد إلى المستندات الرسمية الأصلية أو صور عن هذه المستندات التي تكون في حوزة المؤسسات الخاصة والأفراد.
إلا أن هذه الأحكام لا تشمل الدعاوى والمعاملات القضائية التي فُقدت أثناء الأحداث.
في العام نفسه، صدر مرسوم اشتراعي يتعلق بإعادة تكوين السجلات الرسمية والمستندات الرسمية والخاصة المتعلقة بوزارة المالية - مديرية المالية العامة. إلا أن هذه السجلات لم يُعد تكوينها بالكامل لعدم توافر قيود لبعضها أو صور عنها.