صدر أخيراً التقرير السنوي لعام 2023 للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، وهو الثاني للهيئة منذ تشكيلها، ويتضمن حالة حقوق الإنسان في لبنان للعام 2023، والنشاطات التي قامت بها الهيئة العام الفائت، ويحدد التحديات التي واجهتها في رصد تطبيق الحقوق المدنية من جهة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى. وقد لاحظ التقرير أن الحق بالتعليم لا يزال مهدّداً. فإغلاق المدارس في لبنان دفع أكثر من مليون طفل سوري ولبناني إلى حافة الهاوية وزاد من نسب التسرب المدرسي. أمّا عن الحق في الصّحة، فلم يتمكّن المواطنون والسكان من الاستحصال على الأدوية الأساسية بسبب عدم توفرها أو عدم قدرتهم على تحمل كلفتها. كما أخفقت الحكومة في الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بدعم مراكز الرعاية الصحية الأولية. وسجّل هذا العام نقصاً حاداً في الأمن الغذائي ما أدى إلى تصدّر لبنان قائمة الدّول لأعلى لمعدلات التضخم في أسعار المواد الغذائية في العالم. فيما أدت الأزمة إلى ارتفاع كبير في كلفة السكن، مما صعّب على العديد من المواطنين تحمل تكاليف السكن اللائق، وأدى ذلك إلى زيادة التشرد والتجمعات السكنية العشوائية.
أمّا في ما يخصّ الحقوق المدنية والسياسية، فلا تزال حرية الرأي والتعبير في لبنان خاضعة للقيود، وتحتاج لتحديث القوانين وآلية واضحة للمحاسبة، كما قصّرت السلطات اللبنانية في حماية الحق في التجمّع السلمي في عدة مناسبات.
وتضمن التقرير واقع قصور العدل التي تعاني بشكلٍ صارخ وسط توقف قسري عن العمل من قبل القضاة واعتكاف المساعدين القضائيين، الأمر الذي أدى الى توقف أهم مرفق عام في الدولة مما أدى إلى انتشار الفوضى وارتفاع نسبة الجريمة. على صعيد آخر، أشار التقرير إلى تدهور حالة مراكز الحرمان من الحرية نتيجة تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، وتقاعس السلطات عن إيجاد الحلول الجذرية لمشكلة الاكتظاظ.
ولاحظ أنه رغم تعزيز التدابير الوقائية ضد التعذيب، فإن ممارسات التعذيب لا تزال سائدة ويتم تجاهلها، فلا تتم محاسبة الجناة من قبل السلطات القضائية والأمنية المختصة. وأضاف أن الخبراء لاحظوا الفهم الخاطئ والمنقوص للمادة 47 من قبل بعض عناصر الضابطة العدلّية والتركيز على شق دون آخر، واقتصار تطبيقها على تدوينها في محضر التحقيق من دون تلاوتها بشكل واضح ومفصّل، كما لوحظ جهل عند المحتجزين المشتبه فيهم لحقوقهم المنصوص عنها في المادة، وعدم وعيهم لأهمية الاستفادة منها. وتمت ملاحظة انتهاكات متعلقة بالأحداث لا تتم معالجتها.
ختاماً رفعت الهيئة في تقريرها عدة توصيات لمختلف الجهات المعنية بهدف تحسين حالة حقوق الإنسان على مختلف الأصعدة. وحدد التقرير التحدّيات التي تواجهها الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، وهي عدم التصديق حتى اليوم على المراسيم التنظيمية (النظام الداخلي والنظام المالي) للهيئة. ولم تعط الدولة موازنة كافية بحسب قانون إنشاء الهيئات الوطنية (مبادئ باريس) لتتمكن من القيام بمهامها واستدامة عملها. كما لا تزال الهيئة تعاني من عدم تخصيص مقّر دائم لها، ممّا يعرقل قدرتها على عقد اجتماعات دورية و/أو طارئة بهدف تسيير أمورها.
(القوس)