لم ينتظر حلفاء إسرائيل نتائج التحقيق بشأن ما حصل يوم 7 تشرين الأول 2023 في جنوب فلسطين المحتلة بل سارعوا الى الحسم بأن مدنيين إسرائيليين تعرضوا لمجزرة وللاغتصاب الجماعي؛ من بين هؤلاء المدنيين أطفال رُضّع قُطعت رؤوسهم وأحرقوا وهم أحياء؛ من حق «إسرائيل» الدفاع عن نفسها من خلال تصفية «الإرهابيين» الذين شنوا هذا الهجوم. بعد مرور اشهر على شن جيش العدو الإسرائيلي حرباً على قطاع غزة المحاصر، وبعد قتل وجرح عشرات آلاف الفلسطينيين معظمهم من الأطفال والعجز والمرضى والمعوّقين وبعد اعتقال الآلاف وتعذيبهم وبعد التدمير الشامل للمستشفيات وللمنشآت المدنية والحكومية، بدأ يتبين لبعض حلفاء «إسرائيل» أن معظم الإسرائيليين الذين استهدفهم المجاهدون الفلسطينيون في 7 تشرين الأول 2023 كانوا عسكريين (اناث ورجال) وان «الشهود» الذين تحدثوا بداية عن اغتصاب جماعي، تراجعوا عن مزاعمهم؛ لا اثباتات عن تعرض أطفال رضّع للحرق ولقطع الرؤوس بل تبين ان المنطقة التي دخلها المجاهدون تعرّضت لقصف الجيش الإسرائيلي ما أدى الى مقتل عدد كبير من الإسرائيليين؛ القانون الدولي لا يمنح الجهة المحتلّة للأرض حق الدفاع عن النفس.
لكن رغم معرفتهم بذلك، أراد حلفاء «إسرائيل» منحها فرصة إضافية لتنهي عمليتها العسكرية التي تهدف، بحسب الإسرائيليين، الى تدمير حركة حماس تدميراً كاملاً. وعارضت الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا والهند والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا وغيرها من الدول الحليفة لـ«إسرائيل» اي مسعى لفرض وقف اطلاق نار في غزة خلال الأشهر الأولى التي تلت هجوم 7 تشرين الأول 2023. فلا شك ان حكام تلك الدول ظنوا، او أملوا، بأن الجيش الإسرائيلي سيتمكن من تحقيق أهدافه وكل ما يحتاج اليه هو مهلة أسابيع قليلة.
لم يحدد جيش العدو الإسرائيلي بدقة المدة الزمنية التي يحتاج اليها لتحقيق أهدافه العسكرية لكن نقل عن بعض الضباط قولهم في بداية العدوان على قطاع غزة ان تدمير حماس تدميراً شاملاً قد يستغرق ستة أشهر. وتبين لاحقاً ان حلفاء "إسرائيل" قاموا بكل ما بوسعهم للضغط على مجلس الامن الدولي ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لمنع صدور أي قرار يلزم الجيش الإسرائيلي بوقف الحرب خلال ستة أشهر.
لكن في السابع من شهر نيسان 2024 انتهت مهلة الستة أشهر ولم يحقق جيش العدو الإسرائيلي اياً من أهدافه: لم يتمكن من تهجير الفلسطينيين من غزة؛ لم يستعد اسراه لدى المقاومة؛ لم يدمّر حركة حماس بل تبين ان المجاهدين ما زالوا يقاتلون في كل انحاء القطاع.
أصيبت القيادات العسكرية الأميركية والأوروبية، التي كانت معجَبة بأداء الجيش الإسرائيلي وبالتكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية المتطورة، بالذهول. فكيف يمكن ان يعجز هذا الجيش، الذي يُعد من أقوى جيوش العالم، أمام حركة مقاومة محاصرة منذ سنوات ومحدودة الموارد التكنولوجية والعسكرية؟
قرر الاتحاد الأوروبي عدم القيام بأي تحرّك جدّي لوقف الحرب والاكتفاء بالبيانات والتصريحات


نفاد مهلة الستة أشهر من دون تحقيق أي من الأهداف أدى الى تراجع الضغط الديبلوماسي والسياسي لحماية «حق إسرائيل بالدفاع عن النفس». وتبين للمحاكم الدولية انها قد تفقد ما تبقى لها من مصداقيتها اذا لم تتحرك لوقف الإبادة الجماعية (المنقولة بالصوت والصورة على كل شاشات في كل انحاء العالم)، أو القيام بأي شيء يوحي، ولو شكلياً، انها تسعى لوقف قتل الأطفال وتجويعهم وتعذيبهم. فصدر عن محكمة العدل الدولية امر واضح ومباشر لـ«إسرائيل» بوقف هجومها العسكري على رفح. كما تمكن المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية كريم خان (المحسوب اساساً على الإسرائيليين كما المح هو بنفسه خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة اسرائيلية) من طلب اصدار مذكرة توقيف بحق نتنياهو وغالانت (لم تصدر مذكرات التوقيف حتى اليوم).
لكن انتهاء المهلة وصدور القرارات القضائية الدولية الملزمة لا يبدو كافياً لوقف الإبادة الجماعية. وما زالت واشنطن مصرّة على استمرار الحرب. أما الاتحاد الأوروبي فقرر عدم القيام بأي تحرك جدي لوقف الحرب والاكتفاء بالبيانات والتصريحات.
ماذا يعني ذلك؟
يعني ان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بعد مرور 8 أشهر من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، قررا منح «إسرائيل» مهلة إضافية لقتل مزيد من الأطفال بحجة القضاء على حركة حماس. علماً ان المؤشرات العسكرية تدل الى استحالة القضاء على حركة حماس في المدى المنظور.