وقد عاد الوفد القبرصي يومها خائباً، بعدما خلصت لجنة شكّلها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي برئاسة وزارة الأشغال (وضمّت وزارات الطاقة والخارجية والدفاع وهيئة إدارة قطاع البترول) إلى أن اتفاق الترسيم الموقّع مع الجزيرة عام 2007 كان مجحفاً بحق لبنان، وتشوبه ثغرات أدّت إلى خسارة مساحة من المنطقة الاقتصادية الخالصة. وأوصت اللجنة باعتماد آلية ترسيم جديدة واعتماد إحداثيات جديدة وإعادة التفاوض.
الثلاثاء الماضي، وصل مدير المخابرات القبرصي تاسوس تزيونيس الى لبنان في زيارة استمرت أياماً، التقى خلالها الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي وحزب الله، إضافة الى قائد الجيش العماد جوزيف عون ومدير المخابرات العميد طوني قهوجي والمدير العام للأمن العام بالوكالة اللواء إلياس البيسري. الدبلوماسي المخضرم (68 عاماً) الذي استدعي من التقاعد لرئاسة جهاز المخابرات المركزية (KYP)، عمل سابقاً في مكتب الشؤون السياسية في وزارة الخارجية، ثم سفيراً لقبرص لدى إسرائيل ومن ثم إيطاليا. كما عمل لفترة سفيراً غير مقيم في لبنان ولديه علاقات جيدة مع عدد من المسؤولين والقوى السياسية.
طلب مدير المخابرات القبرصية تفاهماً سريعاً حول الحدود البحرية وتعاوناً أمنياً في مواجهة الهجرة
وإلى الاهتمام الذي يوليه تزيونيس لتداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وسعي بلاده الى دور من الباب الإنساني، وترويجها لفكرة إقامة ممر بحري إنساني باتجاه غزة، أثار الزائر القبرصي مجدداً ملف ترسيم الحدود البحرية، إضافة إلى ملف الهجرة غير الشرعية. المسؤول القبرصي دعا لبنان الى ترسيم حدوده البحرية مع سوريا، بما يساعد على تحديد الحدود البحرية بين قبرص ولبنان وسوريا، مشيراً إلى أن بلاده بدأت البحث في ملف الترسيم مع سوريا، وباشرت مفاوضات لتعديل حدودها البحرية مع فلسطين المحتلة بعد اتفاق الترسم بين لبنان والعدوّ. وعُلم أن قبرص تستعجل إنهاء هذه الملفات من أجل التمكن من إنجاز عقود حفر وتنقيب مع الشركات العالمية. وقد تبلّغ الموفد القبرصي من معظم الأطراف التي التقاها، ومن بينها وزير الأشغال علي حمية والجهة السياسية التي يمثلها، أن لبنان لا يجد الوقت مناسباً لترسيم الحدود مع قبرص أو مع سوريا، وأن هذا الأمر يتطلب دراسات قانونية وتقنية لتفادي الأخطاء التي حصلت سابقاً.
واحتل ملف الهجرة غير الشرعية مساحة كبيرة من البحث في لقاءات الزائر القبرصي الذي تتصرف بلاده على أنها بوابة أوروبا التي تخشى من مؤشرات موجة هجرة كبيرة للاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين على الأراضي اللبنانية. وفي المعلومات أن تزيونيس طلب مساعدة لبنان لمكافحة هذه الهجرة. غير أنه سمع من بعض المسؤولين (وليس كلهم) أن وضع لبنان الحالي، سياسياً ومالياً وإدارياً، لا يسمح للبنان بلعب دور خاص، وأن لبنان الذي يريد إعادة النازحين السوريين الى بلادهم واللاجئين الفلسطينيين الى أرضهم لن يكون حارساً لحدود أحد، وهو ما قال المسؤول القبرصي إنه يتفهّمه، لكن «موقعه ووظيفته الأوروبية يوجبان عليه إيجاد السبل السياسية والأمنية لمنع هذه الهجرة».