محمد خير الدين: العيش على وقع ماكينة الغسيل
قضى محمد خير الدين أوقاتاً صعبة شعر فيها بقرب نهايته، كلما تأخرت فترة علاجه بسبب أعطالٍ لم تكن في الحسبان: مياه مقطوعة، أو كهرباء كانت تعطّل علاجات أشخاصٍ ترتبط حياتهم بماكينة غسيل. منذ ثلاث سنوات ونصف سنة، بدأ محمد علاج غسيل الكلى ثلاث مراتٍ أسبوعياً. كانت البداية بالنسبة إليه «مؤمّنة»، بالرغم من صعوبة الشعور في تلك اللحظة، حيث كانت الجلسة مجانية وأسعار الأدوية ضمن «المقدور عليه»، يقول. أما اليوم، فقد تغيّر كل شيء مع الأزمة الاقتصادية، إذ «يطلبون منا في المستشفى دفع 100 دولار شهرياً بدل العلاج، عدا العلاج في البيت الذي يكلفني ما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين بدل شراء 9 أدوية». وما يزيد الأزمة سوءاً ما يطرأ على جلسات العلاج في المستشفى، حيث يؤدي عطل في ماكينة ما إلى تأخر العلاج «وهذا يؤدي إلى مضاعفات مثل تجلّط الدم».
هناك، في المستشفى حيث يغسل محمد كليتيه، توجد اليوم ثماني ماكينات صالحة للعمل، فيما أربع أخرى معطّلة. وهذا يعني أن 4 مرضى تتأخر علاجاتهم بسبب هذا التوقف، ما يعني تراجعاً في حالتهم. صحيح أن محمّد ليس ضمن قائمة سيّئي الحظ، إلا «أنني أحمل الهمّ دائماً من أن تتعطل الماكينة التي أُعالج من خلالها». ثمة أشياء إضافية تؤرق محمد اليوم، منها شراء وحدات الدم في بعض الأحيان لاستكمال العلاج، والتي بات سعرها بالملايين، يضطر الرجل لشرائها «بالدين»، وإليها تضاف الملايين الأخرى ثمن أدويته «التي كان يؤمّنها لي أحد الشباب، فيما اليوم تتكفّل ابنتي بذلك من عملها في أحد محالّ بيع الألبسة، حيث تتقاضى أسبوعياً 50 دولاراً تدّخر جزءاً منها للعلاج»، فيما جزء آخر «يعطيني إياه صاحب العمل الذي كنت أعمل لديه، بعدو مخليني بالضمان ويعطيني 200 أو 300 ألف ليرة». ولا يشغل بال محمد العلاج فقط، وإنما تأمين المعيشة أيضاً، فهو متزوج، وأب لشابة وشاب «لا يقرأ ولا يكتب ولا يرى، ويحتاج إلى عملية في عينيه». وهذا ما يجعله اليوم أمام خيار من اثنين «إما عائلتي أو علاجي». أما الاثنان معاً، فقد أصبحت هذه المعادلة شبه مستحيلة.

جورج برشا: مستقبل أولادي محصور في تأمين علاجي

15 عاماً قضاها جورج برشا في غرف الغسيل. لو أتيح له أن يكتب مذكّراته في الغرفة التي قضى فيها ربع عمره، لما تأخّر في رسم تفاصيلها. فطوال تلك الرحلة الطويلة والساعات التسع التي يصرفها كل أسبوع موصولاً إلى ماكينة غسيل الكلى، حفظ جورج كل شيء في المكان، بعدما بات جزءاً أساسياً من حياته. العام الآتي، يدخل جورج عامه السادس عشر في مشوار غسيل الكلى، لكنه ليس متيقّناً ما إذا كان هذا الدخول تتمة لما سبق، بعدما فاقت تكاليف الجلسات قدرته على الاستمرار بها. فمع الشحّ في المستلزمات، ودولرتها، وتأخر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عن تسديد مستحقات الجلسات عن المنتسبين إليه، بدأت بعض المستشفيات وبعض الأطباء باستيفاء جزء من الأتعاب من المرضى، وهو ما حصل مع جورج الذي بات لديه شهرياً دفعة «50 دولاراً للطبيب... ندفعها على قدّ قدرتنا». وإلى تلك الكلفة غير المحسوبة، يدفع جورج منذ فترة «8 دولارات أسبوعياً ثمن إبرة تقوية الدم التي تكفي لثلاث جلسات ـــــ والتي كنا نشتريها بـ800 ألف ليرة سابقاً ـــــ أي 32 دولاراً شهرياً وحوالى 3 ملايين أخرى ثمن أدوية يأخذها مرضى غسيل الكلى بين الجلسات». في الفترة الأخيرة، تبلّغ جورج من المستشفى أنه إذا لم تلتزم الجهات الضامنة بتسديد المستحقات عن المرضى، سيضطر لاستيفاء 33 دولاراً عن كلّ جلسة غسيل، أي 99 دولاراً في الأسبوع. وفي حساباته هو، هذا البلاغ يعني أن لا جلسات بعد اليوم، فقد اتخذ الأخير قراراً «بإيقاف الجلسات إذا ما طبّق المستشفى هذا الأمر وقد بلّغ بذلك المعنيين». وهو يعرف أيضاً أن «أحداً لن يسأل عن موتنا». لن يقصد جورج أحداً، لأنه تعب «من المراجعات»، وقرار البقاء في المنزل أهون بالنسبة إليه «من رؤية أولادي وهم يعملون لأجل تأمين علاجي فقط»، بعدما صرف تعويض ثلاثين عاماً قضاها في معمل «سليب كونفورت» على العلاج.