على سفوح بعض تلال محمية وادي الحجير، ثاني أكبر محمية طبيعية في لبنان، تتراكم أطنان من النفايات يهدّد احتراقها لاحقاً الغطاء الحرجي الأكبر في جنوب لبنان ( 26 كلم)، إضافة إلى آثارها السلبية على البيئة سيّما المياه الجوفية.في منتصف شهر نيسان الماضي، تفاجأ الأهالي والمزارعون بجفاف نبع الحجير الرئيسي باكراً جداً، وجفاف بركته الكبيرة التي عمد اتحاد بلديات جبل عامل خلال السنوات الماضية إلى توسعتها وتجميلها، وتهيئتها لتكون منتزهاً طبيعياً يُضاف إلى المنتزهات الطبيعية الأخرى في المحمية. هناك كان النبع ومحيطه مقصد المئات من أبناء المنطقة للتنزه والسباحة، إضافة إلى أن هذا المكان ظلّ خلال السنوات الماضية ملجأ للمزارعين وأصحاب الجرّارات الزراعية لسحب المياه وريّ الأراضي. لكن جفاف النبع باكراً هذا العام زاد من ثقل الأزمة على المزارعين والفقراء من أبناء المنطقة. يقول المزارع حسين شبلي «فقدنا هذا العام مصدر المياه الأساسي القريب من قرانا وبلداتنا، فقد كنا نقصده لسحب مياه الري خلال فصل الربيع وأيام الصيف الأولى، وكان يخفّف عنا أعباء مالية كبيرة، لأن أقرب مصدر مجاني آخر لمياه الري هو نهر الليطاني، الذي باتت كلفة «نقلة» المياه الصغيرة منه تزيد على المليون ليرة، أما مياه الليطاني التي يفترض أن تُضخّ إلى منازلنا فهي محجوبة ككلّ صيف، بسبب الأعطال المستمرة وكلفة تشغيل المضخات المرتفعة».
لجنة المحمية ادّعت خلال العامين الماضيين على أكثر من 30 شخصاً اعتدوا عليها


يوضح مدير المحمية الدكتور أحمد زراقط أن «حفر الآبار الجوفية في المحمية ومحيطها هو من أهم الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى جفاف ينابيع الحجير، والتي حُفرت بشكل مخالف للقانون أو للمصلحة العامة». ويرى أن «عدم وجود حلّ لمشكلة النفايات في المنطقة سوف يزيد من تلوّث المياه الجوفية ويزيد من الحرائق التي تهدّد المحمية وأحراجها»، مطالباً البلديات بـ«ابتكار حلول لإزالة هذه المكبات العشوائية، رغم إمكاناتها المالية المتواضعة والتي لا تكفي لدفع رواتب الموظفين».
وقد ساهمت الأزمة الاقتصادية بشكل كبير في زيادة نسبة الاعتداءات على المحمية، فخلال السنوات الماضية قُطعت عشرات الأشجار الحرجية المعمّرة، كما بُني العديد من المنازل أو المباني السياحية، بشكل مخالف لقانون المحمية، بمساعدة بعض النافذين، الأمر الذي شجع أصحاب هذه المباني على التمادي أكثر بقطع الأشجار. كما برز في الآونة الأخير إعادة تشغيل الكسارات القريبة من المحمية وإحداها تدخل في نطاق المحمية.

جفاف نبع الحجير باكراً زاد من ثقل الأزمة على المزارعين والفقراء من أبناء المنطقة


ويلفت أحد المقيمين في المنطقة إلى أن «أصحاب الكسارات يعملون خلسة على تشغيلها». علماً أن اتحاد بلديات جبل عامل نجح مع لجنة محمية وادي الحجير، خلال سنوات ما قبل الأزمة، في وقف تجديد الرخص المتعلّقة بإقامة الكسارات في نطاق المحمية، وفي تطبيق القانون المتعلق بإنشاء المحمية، الصادر في 23 تموز 2010، الذي حدّد مكان المحمية «في الأراضي التي هي ملك الدولة وضمن مشاعات بلديات القرى المحيطة، من مجرى نهر قعقعية الجسر، أسفل مدينة النبطية، حتى بلدة عيترون في قضاء بنت جبيل». كما نصّ على أنّ «الحفاظ على البيئة الطبيعية والنباتية والحيوانية هي من أهداف المحمية، ومنع قطع واستثمار وتصنيع جميع الأشجار، ودخول المواشي، واستخراج أو نزع الحجارة أو الرمل أو المعدن أو المياه أو التراب، وأيّ عمل يخلّ بتوازن المحمية تحت طائلة المصادرة والغرامات المالية والحبس من شهر إلى ستة أشهر». يُذكر أن 85% من المنطقة الخضراء من محمية الحجير لا مجال للبناء فيها، وفقاً لقانون المحمية، أما المساحة الخاصة المتبقية فيسمح ببناء منازل تراثية تراعي خصوصية الوادي البيئية، على ألا تزيد نسبة الاستثمار على 15 %، لكن نسبة الاستثمار هذه «سوف ترتفع كثيراً في المساحة غير الخضراء، التي تقع بين بلدات شقرا وبرعشيت وميس الجبل»، وهو ما قد يعرّضها لغزو البناء وامتداده بشكل لا يتناسب مع طبيعة الوادي. ويطالب زراقط الجهات المعنية «بضرورة دعم المحمية، بعدما توقفت وزارة البيئة عن تقديم أي دعم لها، وتضاءلت إمكانات اتحاد بلديات جبل عامل المالية، والذي يؤمن 10 ملايين ليرة سنوياً لدعم المحمية وكذلك العمل البلدي في حزب الله، لكن هذه الميزانية لم تعد تكفي لدفع رواتب العمال، علماً أن لجنة المحمية سوف تعقد اجتماعاً قريباً لوضع خطة لمكافحة الحرائق بالتعاون مع الدفاع المدني»، ويلفت إلى أن «لجنة المحمية ادّعت خلال العامين الماضيين على أكثر من 30 شخصاً من الذين اعتدوا على المحمية وتم توقيفهم، لكن الجهات المعنية أطلقت سراحهم ولم تحاسبهم».