منتصف صيف العام الماضي، غادر رعاة الماعز جرود السلسلة الغربية ليفتّشوا عن الكلأ لقطعانهم في أماكن أخرى. لم تكن المراعي في الجرود على قدر آمالهم بعد شحّ كبير في أمطار الربيع. على العكس تماماً، شهد البقاع في الأسابيع الماضية من فصل الربيع أمطاراً غزيرة اعتبرها كبار السن والرعاة والمزارعون مبشّرة بالخير، حيث تحوّلت الجرود والروابي في القرى والبلدات في غربي بعلبك، وحتى السهول على امتداد المنطقة، إلى واحة تعجّ باللون الأخضر وتضجّ بالحياة نتيجة نموّ الأعشاب وارتفاع طولها، حتى إنها حجبت الرؤية عند بعض الطرق في السعيدة وكفردان وطاريا وشمسطار وبوداي. أحمد شحادة أحد رعاة الماشية في مزرعة بيت صليبي رأى أن "الخير ع مد عينك والنظر، وهيدا كرم من رب العالمين حتى تعوض الناس بالرزق"، مشيراً إلى أن أصحاب قطعان الماعز ينتظرون المواسم الخيّرة هذه "حتى تأكل الماشية وتدرّ الحليب الوفير بعيداً عن خلطات الأعلاف في المزارع". وتُعتبر الأمطار الربيعية ذات فائدة كبيرة للمحاصيل الزراعية على اختلافها، وللمراعي حيث تزيد من كفاءة الاخضرار عند النباتات على اختلافها.
إلا أن هذه النعمة سرعان ما تتحوّل إلى نقمة خلال شهر تقريباً إذا لم يتم تدارك مخاطرها، لأنها ستكون مصدراً للحرائق بعد يباسها، وتهدد آلاف الدونمات من المزروعات وفي مقدّمها القمح والشعير، بالإضافة إلى أحراج السلسلة الغربية.
رئيس مركز أحراج في البقاع شدّد لـ"الأخبار" على "ضرورة المسارعة لإنجاز خطة استباقية واستراتيجية للوقاية والحدّ من الحرائق في أحراج المنطقة بالتعاون في ما بين الوزارات المعنية جميعها وفي مقدّمها الزراعة والبيئة والدفاع الوطني والداخلية والبلديات والجمعيات". وحذّر من ضيق الوقت "الذي يداهم الجميع، فخلال أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع ستتحول تلك الأعشاب إلى يباس مع ارتفاع درجات الحرارة وتصبح قنبلة موقوتة، سواء للحقول أو للأحراج". في المقابل يشدّد مدير أحد مراكز الدفاع المدني في غربي بعلبك على دور البلديات في اقتلاع الأعشاب من جوانب الطرقات، بالإضافة إلى نشر سياسة التوعية لدى الجميع في اتخاذ التدابير اللازمة عند إشعال النيران، فثمّة حرائق يمكن السيطرة عليها إذا ما اتُّخذت تدابير محدّدة في مقابل حرائق لا يمكن ضبطها وتشكل خطراً على البشر قبل الحجر والشجر إذا ما توافرت الرياح المساعدة في انتشارها".
عدد من مزارعي القمح والشعير لجؤوا أخيراً إلى حراثة ما لا يقلّ عن ثلاثة أمتار من أطراف حقولهم التي تحاذي الطرقات الرئيسية والفرعية بقصد إبعاد تهديد حريق الأعشاب عند جوانب الطرقات مع حقولهم، في حين لجأ آخرون إلى إبقاء صهاريج مياه مع جرّارات زراعية عند أطراف الحقول للتدخل السريع عند حصول أي حريق وإخماده قبل انتشاره ووصول سيارات الدفاع المدني.
اللافت في كلّ هذا أن البلديات التي تُعنى بأمر حصد الأشواك وقصّ الأعشاب أو رشّها بالمبيدات بغية إحراقها، تقف اليوم موقف المتفرّج كمن لا حول له ولا قوة. معظم رؤساء البلديات يشدّدون على عدم توفر القدرة المالية للقيام بهذا الدور لكلفته الكبيرة وعدم توفر السيولة المالية اللازمة نتيجة عدم دفع مستحقات صناديق البلديات.
يرمي رؤساء البلديات المسؤولية على الوزارات المعنية، وجمعيات المجتمع المدني. فيؤكد حميد كيروز، رئيس بلدية بشوات، أن "عملية التنظيف تحتاج إلى ميزانية كبيرة تعجز عنها وزارات وبلديات كانت تقوم بهذا الأمر وتخصص ميزانية لكنس الطرقات وتنظيفها وقصّ العشب، لكننا اليوم نعاني كبلديات من شحّ في السيولة المالية يمنعنا من القيام بواجباتنا ونحن نرفع الصوت وندقّ ناقوس الخطر تجاه هذا الخطر الداهم علينا جميعاً، فالحرائق لن تفتك بحرج قرية أو بلدة دون أخرى وإنما ستطاول أحراج السلسلة الغربية بأكملها، وعلى الوزارات المعنية جميعها التكاتف وتضافر جهودها من أجل منع هذه الكارثة كخطوة استباقية سريعة".
جمعيات عديدة كانت تساعد البلديات في خطط الحدّ من الحرائق وتنظيف أطراف الطرق، ولكن لم يتم التواصل من قبلها مع أيّ من البلديات، كما يؤكد رئيس إحدى بلديات غربي بعلبك، مشيراً إلى عجز البلديات عن تنفيذ خطط لمواجهة الحرائق ومطالباً الدولة "التي مدّدت لنا وهي تعلم عجزنا المالي واللوجستي، بأن تبادر لمعالجة ودرء هذه المخاطر".