لا يمكن الاستدلال على قبور النازحين السوريين في مقبرة مخيم القاسمية للاجئين الفلسطينيين، عند تخوم قضاء صور، علماً أنها تُعدّ من أبرز المدافن التي تستقبل جثامين الأموات من النازحين، ومكتومي القيد، والمجنّسين، وأبناء العشائر العربية المقيمين في مدن صيدا والزهراني وصور. يؤكد بعض الزوّار لنا أن عدداً من السوريين قد دُفنوا هنا بالفعل منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، لكنهم لا يعرفون أين دُفنوا تحديداً. شواهد القبور لا تشير إلى أي سوري. فأين هم؟ في حديث لـ«الأخبار»، يؤكد إمام المخيم والمسؤول عن المقبرة الشيخ دياب المهداوي وجود قبور لسوريين، لكن لا يعرفها إلا أهل الميت أو المشرفون على المقبرة. «في بداية النزوح، فتح مخيم القاسمية أبوابه للنازحين سواء الأحياء منهم أو الأموات. في المقبرة دُفن كثر، ليس من المقيمين في المخيم أو العمّال الزراعيين في البساتين المجاورة فقط، بل من مناطق بعيدة أيضاً، هاربين من رفض كثير من البلدات التي يقيمون فيها ومستفيدين من سماحنا بالدفن من منطلق إنساني وشرعي ولأن إكرام الميت دفنه».
برغم السماح والتسامح، لم يحظَ القبر السوري بمميزات قبور السكان الأصليين. حُشر القبر في المساحة الشاغرة بين قبرين، أو في الزوايا والأطراف. أهل الميت لم يكونوا أكرم عليه. لم يرفعوا شاهداً يخلّد هويته أو يشيدوا رخامة فوق التراب. فترة السماح دامت لسنوات عدة، لكنها عُلقت أخيراً بعدما ضاقت المقبرة حتى على أهل القاسمية. «اضطررنا لمنع دفن الإخوة السوريين، لكننا نحاول أن نؤازرهم في إيجاد قبر في مدفن آخر ونساهم في نقل الجثمان بسيارة الإسعاف التابعة لنا حتى ولو إلى البقاع».

مدافن بديلة
المدافن البديلة لمقبرة مخيم القاسمية تقع في مخيمات فلسطينية أخرى سمحت منذ بداية الأزمة بدفن الأموات من النازحين السوريين، من المعشوق والبرج الشمالي إلى برج البراجنة وشاتيلا والبداوي ومخيم الجليل. لكنّ اللجان المعنية في تلك المخيمات أيضاً بدأ بعضها أخيراً بتقنين القبور، فيما منع آخرون الدفن نهائياً، بحجة ضيق مساحات المدافن قياساً إلى عدد الأموات المتزايد، ما دفع بعض الأهالي إلى الادّعاء بأن الميت «فلسطيني - سوري»، ليُسمح له بأن يدفن في مقبرة سبلين في وادي الزينة وسواها.

دفن عائلة في قبر واحد
الضغط الواقع على المخيمات الفلسطينية، واقع أيضاً على بعض البلدات التي شكّلت بيئة مذهبية وسياسية حاضنة للنازحين. طرابلس فتحت لهم مقبرة الغرباء، وبعض بلدات عكار فتحت مقابرها التي قصدها من لا يقدر على دفع تكلفة القبر في المدينة.
لم يحظَ القبر السوري بأيّ مميزات بل حُشر في المساحة الشاغرة بين قبرين

لكنّ عدد المقابر الأكبر سُجّل في سهل البقاع، في خراج بعض البلدات التي خصّصت لهم مدافن خاصة بعد امتلاء مدافنها العامة. حوش الحريمة وسعدنايل والفاعور والمرج ومجدل عنجر وبرّالياس ودير زنون وعرسال... التي صارت مقصداً لأهالي الموتى السوريين المقيمين في الجنوب وجبل لبنان وبيروت والبقاع الغربي. وبرغم تعدادها، لكنها أيضاً ضاقت، ما دفع بالبعض إلى الموافقة على دفن الموتى من عائلة واحدة في قبر واحد ولو لم يمرّ على دفن الميت السابق خمس سنوات، بحسب فتوى بعض المرجعيات الإسلامية. أما بعض المقتدرين من النازحين الذين رفضوا دفن موتاهم بعيداً عن أماكن إقامتهم، فقد أغروا حراس المقابر الضخمة في المدن بمبالغ مالية، ليدفنوا موتاهم سراً في مقابر اللبنانيين.



«مفوّضية اللاجئين» تساهم في بناء مدافن
أوضحت المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في ردّ على أسئلة «الأخبار»، أنّها قامت منذ عام 2016 بـ«توسعة 8 مدافن وإعادة تأهيلها في محافظتَي البقاع وبعلبك ــ الهرمل، وهذه المدافن هي لكل من اللبنانيين والسوريين». وأوردت في ردّها تفاصيل عن المدافن التي تولّت إنشاءها أو تأهليها في البقاع وبعلبك ــ الهرمل:
بناء مدافن جديدة: 200 مدفن في حوش سنيد (اتحاد بلديات غربي بعلبك)، 300 مدفن في حوش الحريمة (البقاع الغربي، أكثر من 1000 مدفن في بعلبك (البقاع الشمالي)، 300 مدفن في مجدل عنجر (البقاع الأوسط)، 300 مدفن في العين (البقاع الشمالي).
توسعة مدافن قائمة: 50 مدفناً في مجدل عنجر (البقاع الأوسط).
تأهيل مدفن قائم وتوسعته: 200 مدفن في دورس (البقاع الشمالي)
تسييج مدفن قائم وتأهيله: ألفا مدفن في سعدنايل (البقاع الأوسط).
وأوضحت أنّ غالبية هذه الأعمال تمّت بالتنسيق مع دار الفتوى والبلديات.