قبل خمس سنوات، تقدّمت مجموعة من «شباب حراك شبعا» بإخبار إلى النيابة العامة المالية ضد رئيس بلدية البلدة ورئيس اتحاد بلديات العرقوب، محمد صعب، بموضوع هدر المال العام في بلدية شبعا وعدم الالتزام بالأصول القانونية والبلدية. يومذاك، قرّرت النيابة العامة التمييزية منح الإذن للنائب العام المالي القاضي علي إبراهيم بملاحقة صعب، بما نُسب إليه من اختلاس وهدر للمال العام في البلدية.كان ذلك في عام 2018، ومن بعده كرّت سُبحة التحقيقات التي أوصلت أواخر عام 2021 إلى صدور قرارٍ ظني عن قاضي التحقيق في النبطية، غسان معطي، خلص فيه إلى «الظنّ بالمدّعى عليه محمد أحمد صعب بمقتضى الجنحة المنصوص عليها في المواد 363 و373 و770 ق-ع والمادة الأولى من المرسوم الاشتراعي 156/1983 وإيجاب محاكمته أمام القاضي المنفرد الجزائي المختص في حاصبيا»، لإهماله «في الشؤون المالية البلدية والإهمال بالوظيفة، بما يشكّل ضرراً على المصلحة العامة والأموال العمومية».

(هيثم الموسوي)

غير أن هذه المخالفات لم تثمر حكماً نهائياً بعد مرور عامين ونيّف على تحويل الملف إلى محكمة الجزاء في حاصبيا. وإن كان سبب التأخير في تلك الفترة هو اعتكاف القضاة، بحسب المحامي حسن بزي، وكيل المدّعين، إلا أنه «اليوم لم يعد ثمّة مبرر للتأخير»، حيث أرجئت جلسات الاستماع مرتين، معطوفاً عليها «قرار وزارة الداخلية بإبقائه في موقعه وما يعني ذلك من إبطال مطالعة مجلس شورى الدولة التي اعتبرت ما قام به رئيس البلدية جنحة شائنة سنداً إلى قانون البلديات الذي يقضي بكفّ يده»، يكمل بزي. وهو ما دفع الأخير إلى الطعن بقرار وزارة الداخلية أمام مجلس الشورى «حيث من المتوقّع أن يصدر القرار في الأيام القادمة».
اليوم، ينتظر المدّعون نتيجة الطعن، وما إذا كانت ستكفّ يد صعب قبل الاستحقاق المقبل أم لا. ثمة تعويل على تلك الخطوة التي يعتبرها هؤلاء «خرطوشة أخيرة» لقطع الطريق على أيّ محاولة «من رئيس البلدية لخوض الانتخابات البلدية المقبلة إن تمّت»، على ما يقولون.

مخالفات بالجملة
يسجّل المعترضون على أداء صعب خلال السنوات التى تولّى فيها البلدية، منذ عام 2010، الكثير من المآخذ، وهي التي تقدّم بها هؤلاء إلى النيابة العامة المالية التي كلّفت التفتيش المركزي بالتحقيق. وقد كُلّف المفتش المالي ربيع شرف الدين بذلك في عام 2019، حيث خرج الأخير بخلاصة أقرب إلى التصديق على الإدانة بالمسّ بالمال العام ومخالفة القوانين والأنظمة. وبيّن التقرير جملة مخالفات منها «تنفيذ النفقات، كما تجزئتها بشكل مخالف للنصوص القانونية وعدم احترام مراحل تنفيذ النفقات واختصار معظمها واقتصار إنجاز معاملات مالية على مرحلتي الصرف والدفع، كما صرف ودفع نفقات عن سنين سابقة دون القيام بتدوير الاعتمادات وفقاً للأصول (...)».
وفي التفاصيل، يورد التقرير عدداً كبيراً من المخالفات، حيث يشير في إحداها إلى وجود قرارات غير مرقّمة صادرة عن اتّحاد بلديات العرقوب عن أشغال وحفريات لصالح البلدية. أضف إلى ذلك ما سجّله التقرير عن تقارير صادرة عن رئيس البلدية في أيام عطل رسمية، منها قرارات صادرة في الخامس والعشرين من كانون الأول من عام 2016 بقيمة 51 مليون ليرة، وهو يوم عطلة رسمية، قبل أن يلغيها في وقتٍ لاحق.
ينتظر المدّعون نتيجة الطعن لمعرفة ما إذا كانت ستكفّ يد رئيس البلدية...


أما في ما يخصّ حوالات الصرف، فقد كان ثمة تجاوزان أساسيان فيها، الأول أن معظمها غير مستوفى فيها قيمة رسم الطابع المالي القانوني المطلوب، والثاني أن العديد من تلك الحوالات كانت تتضمن فواتير عائدة لسنة سابقة للسنة التي أُعدّت ودُفعت فيها، لعدم وجود قرار حجز نفقة في الأساس «وهو الأمر الذي استتبع بعدم وجود أي قرار لتدوير الاعتمادات خلافاً للقوانين والأنظمة». كما يبيّن التقرير أن «غالبية الفواتير غير مطابقة في شكلها لشكل الفواتير القانونية كما لا يوجد عليها الطابع القانوني المطلوب وغالبيتها لا تحوي اسم الشخص أو المؤسسة المتعاقد معها ويُعرف صاحب الحق في بعضها من التواقيع». أما طرق الإنفاق في البلدية، فحدّث ولا حرج، إذ «كانت تتم بالفاتورة أو عن طريق الأشغال بالأمانة، ولم يكن هناك أي مناقصة عمومية أو محصورة أو استدراج عروض أو اتفاق رضائي».
وفي تتمة المخالفات، يذكر التقرير مخالفة مالية تتعلق ببناء القصر البلدي، حيث تبيّن من خلال المستندات أن «الكلفة التقريبية للقصر بلغت حدود مليون و334 ألف دولار، فيما تبيّن من خلال القرارات الصادرة عن مجلس الاتحاد من عام 2011 إلى عام 2018، أن المبلغ الإجمالي الذي صُرف بلغ 655 ألف دولار»، وهو ما يخالف أقوال صعب في جلسات الاستماع إليه. عدا أن صعب كان «يسلّف» لتسهيل أعمال البلدية من جيبه الخاص، على أن يسترد الدين فور توفّر السيولة. وقد اعتبر التقرير أن هذا «العمل وإن كان يفعله في سبيل المصلحة العامة، إلا أنه يخالف أحكام القوانين والأنظمة المالية التي ترعى عمل البلديات واتحادات البلديات».