تكشف التحقيقات التي أجراها المحامي العام المالي السابق القاضي جان طنوس، في 24 آذار 2022، مع رئيس مجلس إدارة بنك الموارد مروان خير الدين تفاصيل علاقته مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتنفيذه كل طلباته. إلى حد تعيين موظفين من بنك الموارد في شركة لسلامة من دون معرفته بأي تفصيل عن عملها. التحقيق يحمل في طياته ما يكفي للاشتباه بخير الدين. لكن، منذ ذلك الوقت، ينتقل الملف الذي أعده طنوس وأُبعد عنه، بين قاض وآخر إلى أن وصل أخيراً إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا.في بداية جلسة التحقيق، أُطلع خير الدين، بحسب المحضر الذي حصلت عليه «الأخبار»، على «مستندات صادرة من بنك الموارد ومقدمة من المشتبه فيه رياض سلامة تحت أرقام 22 و23 و24 و25»، فأكد أن «هذه المستندات صادرة عن المصرف وأن التوقيع الموجود على المستند 25 صادر عنه». ولدى سؤاله عن رياض ورجا سلامة، قال إنه على «معرفة شخصية بكل من المشتبه فيهما، وأن الحساب العائد لرجا (في بنك الموارد) تم فتحه عام 1993، وفي حينه لم تكن هناك إجراءات معتمدة للتأكد من هوية صاحب الحق الاقتصادي للحساب، ولم تكن استمارة «اعرف عميلك» موجودة في حينه، وكان يُكتفى بالتأكد سوى من هوية الشخص الراغب في فتح الحساب». علماً أنه يفترض بالمصارف أن تحدّث ملفات العملاء بشكل دوري، خصوصاً حين باتت استمارة «اعرف عميلك» ضرورية منذ أكثر من 20 عاماً ومطلوبة دولياً، وقد طلب مصرف لبنان نفسه من المصارف تعبئتها. بالتالي، كان لزاماً على بنك الموارد تحديث المعلومات الخاصة المتعلقة بتفاصيل حسابات رجا سلامة وحركتها ومصدرها وكل ما يتعلق بها؛ فيما يعد غياب الاستمارة دليلاً إضافياً على عملية التزوير المشتركة وعلى عدم وجود حسابات من الأساس، وهو ما خلص إليه القضاة الأوروبيون.
خلال التحقيق، أكد خير الدين أنه كان على معرفة برجا سلامة باعتبار أنه كان يعمل في القطاع المصرفي في أحد المصارف الأميركية، وأنه تعرف إلى رياض سلامة بعد ذلك بسنوات. ولدى سؤاله عن الحساب الاستثمار العقاري الخاص برجا، تحدث عن «خدمة خاصة» يقدمها بنك الموارد لبعض زبائنه، وهي فتح حسابات مخصصة للاستثمار العقاري. إذ يقوم المصرف بتأسيس شركات عقارية عبر موظفيه لبناء عقارات ومن ثم بيعها كأقسام خاصة. وأوضح أن «فكرة هذا الاستثمار بدأت عندما كان المصرف يتملك عقارات من مدينين متوقفين عن الدفع ويجيز بأمر بيع هذه العقارات فيتم تأسيس شركة يعطيها المصرف العقار؛ وزبائن المصرف المستثمرون في المجال العقاري لديهم الأموال اللازمة لبناء هذا العقار. ثم ينجز توزيع عائدات المشروع على أصحاب حسابات الاستثمار وفق عملية محاسبية». وأضاف أن عدد حسابات الاستثمار «لم يكن كبيراً، وهو لحوالي 20 من الزبائن المميزين للمصرف مع قدرات مالية كبيرة ممن يرغبون باستثمار أموالهم في هذا المجال». وكان رجا سلامة واحداً من هؤلاء الزبائن المميزين.
ولدى سؤال طنوس عن طريقة سحب رجا سلامة للأموال العائدة له، أجاب خير الدين أنه كان يقوم بسحبها نقداً من الفرع الرئيسي للمصرف. وأشار إلى أن بنك الموارد يمتلك خدمة توصيل الأموال النقدية إلى المكان الذي حدده الزبون لقاء عمولة، وأن رجا استفاد من هذه الخدمة، و«بحسب ما يذكر، كان رجا يحضر بنفسه إلى المصرف ويطلب تسليمه المبلغ النقدي الذي كان متوافراً في الفرع الرئيسي. فقبل عام 2019 لم يعان المصرف من مشكلة سيولة على الإطلاق وكان يمكن الطلب من مصرف لبنان الاستحصال على سيولة نقدية بالليرة اللبنانية ونتسلمها في اليوم عينه، إذا لم يتم تسجيل الطلب بصورة متأخرة». أما عن طريقة تسليم الأموال إلى شقيق الحاكم، فأجاب خير الدين بأنها «كانت تُسلّم إليه في كراتين غالباً ما تكون من مصرف لبنان نظراً لأن حجمها يتساوى مع حجم النقد الوطني». أما الدولارات، بحسب خير الدين، فكانت تُسلّم في «شنطة أو ظرف إذا كان المبلغ بسيطاً». وقال إنه لم يكن يسأل رجا عن سبب قيامه بالسحوبات المالية نقداً لعلمه بمصدر هذه الأموال، وأن هناك العديد من الأشخاص يفعلون الأمر عينه من دون أن يسألهم أيضاً، مؤكداً أن رجا حضر بنفسه في أيلول 2019 وطلب سحب رصيده، فتمت الاستجابة لطلبه فوراً وأُعطي المبلغ المطلوب وأُقفلت الحسابات. ونفى أن يكون على معرفة بأن الأموال الموجودة في حساب رجا تعود لشقيقه رياض، أقله حتى تاريخ إقفال الحساب في 2019. وهنا، ناقض خير الدين نفسه مرة بقوله إن «الكراتين» التي استخدمها رجا لسحب المبالغ نقداً كانت موسومة بوسم مصرف لبنان، ومرة أخرى عبر تأكيده عدم معرفته بأن الأموال في حسابات رجا تعود لحاكم مصرف لبنان.
في أيلول 2019 طلب رجا سحب رصيده فتمت الاستجابة لطلبه فوراً وأُقفلت الحسابات


من جهة أخرى، نفى خير الدين وجود ارتباط بين السيولة التي يطلبها المصرف من مصرف لبنان وبين حجم السيولة التي يتطلبها سحب الزبائن لإيداعاتهم نقداً لأن المصرف كان يحتفظ بـ«ستوك» من النقد الورقي بمعدل 10 مليارات ليرة لبنانية و5 ملايين دولار أميركي في آخر 5 أو 6 سنوات قبل عام 2019. كما أكد تسليم هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان المعلومات المالية العائدة لرجا سلامة فور طلبها منه، ولديه إيصال يثبت ذلك. وأوضح أن الطلب ورد إليه من الهيئة بتاريخ 31/1/2022 واستجاب المصرف بتاريخ 7/2/2022 «وهي مدة طبيعية وعادية».
في سياق آخر، أشار خير الدين إلى أن حاكم مصرف لبنان طلب منه تأمين 3 أشخاص ليصبحوا مدراء لشركة «إما في ليشتنشتاين أو في لوكسمبورغ». وبما أن هذه «الخدمة» يؤمنها المصرف لزبائنه، استجاب لهذا الطلب وأمّن له 3 موظفين من المصرف، بعد أن أعلمه سلامة أن هناك مدراء استقالوا بعد قضايا قضائية في أوروبا. وأشار إلى أنه لم يسأل سلامة عن أي تقارير تتعلق بعمل هذه الشركة، ولكن بحسب ما يذكر، اتخذ المدراء قرارين: تعيين مدقق حسابات وقرار نقل مركز الشركة من مكتب إلى آخر في المدينة عينها. وعند استدعاء هؤلاء المدراء أمام القضاء اللبناني، طلب خير الدين من سلامة تأمين مدراء آخرين لهذه الشركة لأن الموظفين لا علم لهم بماهية هذه الشركة ولا يتقاضون أي مبلغ مالي لقاء هذه الوظيفة، وأن المصرف أصلاً لم يتقاض أي مبلغ لقاء ذلك. وقد وعده سلامة بتأمين أشخاص يحلون مكانهم.