واصلت بكركي جهودها الهادفة إلى جمع القوى المسيحية خلفَ موقف موحد. ولا يزال البطريرك بشارة الراعي مسكوناً بهاجس الانقسام المسيحي الذي عادة ما يبلغ ذروته مع كل استحقاق رئاسي نتيجة الخلافات بين المكونات المسيحية الممتدة.وفيما تأخذ هذه الخلافات منحى أكثر تعقيداً في ظل الأزمة الراهنة، تحاول بكركي منذ فترة تولّي الملف الرئاسي، وسط صراعات القوى المسيحية المكررة، محاولة دفعها إلى التوافق على رئيس للجمهورية كمدخل إلى الإنقاذ، مع الحرص على أن تكون على مسافة واحدة من كل أبنائها، فلا توفّر وسيلة في جمعهم ولو من الباب الروحي. لذا كانت الخلوة التي عقدها النواب المسيحيون بدعوة من البطريرك، في دير بيت عنيا - حريصا أمس، والتي هدفت أولاً إلى كسر الجفاء الذي يخيم على علاقة القوى المسيحية المتقاطعة فقط على رفض فرنجية، وثانياً توجيه رسالة تأنيب ضمنية لحث النواب على القيام بواجبهم الوطني.
حضر الخلوة 53 من النواب الـ 64 المسيحيين، وغاب عنها كل من: سينتيا زرازير، ميشال معوض، بولا يعقوبيان، ملحم خلف، نجاة صليبا، أسعد درغام، الياس بو صعب، جهاد بقرادوني، سامر التوم، ميشال الدويهي وميشال الياس المر. وقد بدأ اللقاء بجلسة تأمل عشية أعياد الفصح، تلاها قداس تضمّن عظة للبطريرك قائلاً: «ليطرح كلّ واحد منّا وكلّ سياسيّ صالح هذه الأسئلة على نفسه: بماذا جعلت الشعب يتقدم؟ أي روابط حقيقية بنيت؟ وكم سلام اجتماعي زرعت؟ ماذا أنتجت فيّ المسؤولية التي أوكلت إلي؟ وماذا فعلت لتسهيل انتخاب رئيس وإحياء مؤسسات الدولة؟». أما الوقت المتبقي فخصص للصلاة والتأمل، وأكدت مصادر حضرت اللقاء أن «النواب الذين شاركوا حرصوا على عدم الدخول في أي سجال أو ارتكاب سلوك معين يأخذ أبعاداً سياسية»، وأضافت أن «الخلوة كما كان متوقعاً لم تقدم أو تؤخر في الموقف السياسي للقوى المسيحية التي شاركت، باستثناء أنها جمعتهم في الكنيسة».
وقد تولى المعاون البطريركي المطران أنطوان عوكر إدارة الصلوات والقراءات والتأمل، فيما ختم البطريرك الراعي الخلوة بقداس، ألقى فيه عظة استشهد فيها بكلام للبابا فرنسيس، وقال: «السياسة التي تمارس السلطة بطريقةٍ خاطئة غير قادرة على الاعتناء بالآخرين، فتسحق الفقراء وتستغل الأرض، وتواجه النزاعات، ولا تعرف كيف تحاور».
وفيما أكد النواب المشاركون «غياب الكلام الرئاسي عن الخلوة»، لفتوا إلى أنها «تضمنت رسالة دينية باطنها سياسي»، حيث لفت الراعي إلى أن «الإيمان لا يقول بتسخير الدولة من أجل مصالح الأشخاص ونبذ الآخر»، مضيفاً أن «عليكم بداية معالجة الشوائب في البيت الداخلي ومن ثم الحوار مع شركائكم في الوطن من أجل إنقاذ البلد». وقال: «قد يظن أحدكم أنه إذا فرض شيئاً على الآخر فإنه سيحقق مكسباً، لكن هل من ضمانة لديه أنه لن يقع»، داعياً النواب لـ «ممارسة قناعاتهم المسيحية وعدم التصرف بأنانية إلى حدّ سحق الآخر».
إضافة إلى الصورة الجامعة للنواب، اعتبر بعضهم أن «إيجابية الخلوة تكمن في اجتماع النواب مع بعضهم من كل القوى السياسية وتبادل الكلام والسلام والجلوس معاً على الغداء كما فعل النائبان جبران باسيل وستريدا جعجع على سبيل المثال». إلا أن المطران عوكر أكد أن من الممكن «عقد لقاءات أخرى استكمالاً لهذه الخلوة». كما لفت النواب إلى «اقتناع الغالبية بأن الخلوة لن تؤدي إلى اتفاق مسيحي وأن تلبية الدعوة جاءت من باب التأكيد على احترام البطريركية وعدم وجود خلاف معها».