شكّل قتل زينب علي زعيتر (26 عاماً) فجر الخامس والعشرين من آذار على يد زوجها المدعوّ حسن موسى زعيتر (27 عاماً)، أمام أطفالهما الثلاثة، صدمة كبيرة في المجتمع، فاقمها فيديو التباهي بغسل العار، من قبل رجال من العائلة، وإشادة شقيق الضحية بجريمة الزوج. وهذا ما أتاح أيضاً انتشار شائعات طاولت سمعة السيدة، مبرِّرة الجريمة بـ«الشرف». حادثة باتت تتكرّر بتفاصيل مختلفة، ما يدفع إلى طرح السؤال عن عودة أحكام القتل والثأر العشائرية إلى الواجهة من جديد، بعدما تراجعت في الفترة الماضية. ويمكن البدء بسؤال أبناء العشائر أنفسهم عن سلوكيات نفترض أنهم يجدون لها مبرّراتهم المقنعة. إلا أن المفارقة كانت في أن استنكار الجريمة طاول أيضاً أبناء العائلات العشائرية.
ترى سيدة من آل زعيتر، وهي قريبة من الجاني، أن ما أقدم عليه «مستنكر وخاطئ تماماً». تطرح جملة من الأسئلة: «هل غسل عاره عندما قتل زوجته أمام أطفاله؟ ألم يفكر باحتمال بسيط أن تكون المرأة مظلومة؟ وحتى لو افترضنا أنها عاطلة ولديها حركات، يمكنه ببساطة أن يطلّقها». بدورها ترى سيدة من آل جعفر أن «اتهام المرأة في شرفها هروب من الاعتراف بأن القاتل يعاني مرضاً نفسياً». فيما تعرب فتاة من آل زعيتر عن خشيتها من «قتل الفتيات بسبب أقاويل واتصالات يتلقّاها ذووها، لتصبح مثل هذه الحادثة قاعدةً يُحتذى بها لا استثناء مرفوضاً».

ليس عرفاً عشائرياً
يذهب أحد أعيان العشائر، فضّل عدم الكشف عن هويته لحساسية الأوضاع، أعمق في الحديث، إذ يحرص على التوضيح بداية بأنّ الجريمة التي حصلت «ليست من أعراف العشائر ولا علاقة لها بالعادات العشائرية. لأن العدالة غير متوفرة في ما جرى ولا وقائع واضحة وملموسة». يشرح: «بالمنطق العشائري، قديماً، كانت تقوم محاكمة عادلة، يجتمع فيها شيخ العشيرة وأصحاب العلاقة والشهود والمتهمة. كان يجب أن تكون الوقائع واضحة، وأن تكون للمتهمة كلمة. وفي حال أقسمت السيدة يميناً يمكنها أن تحصل على قرينة البراءة». ويلفت إلى أن «القتل بسبب الإتيان بعمل منافٍ للأخلاق كان نادراً جداً لأنه كان خارج ثقافة العشيرة، أما أكثره فكان بسبب تمرّد الفتاة على قرار العشيرة بدافع الحب، لأن العشائر كانت ترفض تزويج الفتيات خارج العائلة. وهذا تغيّر اليوم. وبعض بنات العشائر يتزوّجن خطيفة ثم يُعقد الصلح مع الأهل. هناك مفاهيم كثيرة تغيّرت لا تخطئها العين في الواقع بالنظر إلى الكثير مما كان في الماضي محرّماً». ولا ينسى الإشارة إلى «الكثير من الارتكابات التي كانت تُغطى تحت عنوان «قتل الشرف» لأن القانون كان يعفي القاتل في هذه الحالة أو يمدّه بأحكام تخفيفية».

ظاهرة تلاشت...
لكن كيف يمكن تفسير عملية القتل هذه؟ وعودة هذه الارتكابات في الوقت الراهن؟
يرى الباحث المتخصّص في علم اجتماع الأسرة الدكتور زهير حطب أن الجريمة «تغطّت بعنوان الشرف، لكنها في العمق صراع نفوذ أداته المرأة في مجتمع ذكوري تقبل إيديولوجيته هذا النوع من التبرير».
ويذكر حطب أنّ ظاهرة القتل بحجة الدفاع عن الشرف «قديمة، كادت تتلاشى منذ القرن الماضي مع تطوّر الأوضاع المعيشية وانتشار تعليم الفتيات، والتعليم العام للجماعات ومن بينهم العشائر.
الجريمة التي حصلت لا علاقة لها بالعادات العشائرية لأن العدالة غير متوفّرة في ما جرى

ساعد هذا في تكوين مفاهيم وأفكار شبه متقاربة وموحّدة في مختلف الأوساط الاجتماعية، في ما يتعلق بالمفاهيم الحياتية والعادات والتقاليد. كلّ ذلك ضمن التركيب الاجتماعي للدولة الحديثة، الذي استبدل الاعتبارات الفرعية للعشائر وتجمّعات السكان المتفاوتة وغير المنسجمة، بقواعد وقوانين قضائية حديثة، فلم يعد هناك مبرّر للإقدام على سلوكيات تحلّ محل القرار الموحّد للسلطة القضائية للمجتمع الجديد، طالما أنها تؤمّن العدالة وإحقاق الحق وتحميل كلّ صاحب سلوك عدواني مسؤولية عمله وإلحاق القصاص به. فباتت ظاهرة القتل نادرة الحصول حتى في أوساط غير المدينيين ممن يعيشون في المناطق الداخلية في شبه عزلة عن المجتمع الكلي والمعطيات المعاصرة».

أعادتها السلطات الناشئة
ما الذي حصل إذاً؟

يرجع حطب عودة هذه الجرائم إلى ما طرأ من «تغييرات واسعة في المجتمع اللبناني نتيجة الأحداث السياسية والاقتصادية، وتراجع السلطات القضائية واختفائها. فقد راحت التجمّعات السكانية تعيد تشكّلها على أساس مصالحها الجديدة، وأعيد إحياء مفاهيم كانت قد ضعفت وتلاشت، ومنها السلطة العشائرية، على تجمّعات محلية قرابية كانت قد انضوت تحت سلطة النظام المجتمعي العام، أي القانون والضوابط القضائية». هكذا «تبرز ممارسات، ظاهرها تعبير عن الانتماء إلى مفاهيم الثأر القديم، ولكنها في الواقع تعبير عن السلطات الجديدة الناشئة، التي تحاول إمساك وإخضاع الجماعة التي ترتبط بها. ويتبيّن عند الدخول في تفاصيل أحداث القتل الثأري والعشائري أنها محاولات من قبل أفراد يتسلّطون على من حولهم، مستندين إلى قوى اجتماعية جديدة تحاول الإمساك بقرار المجموعة. ومن هنا فما يحصل في هذا المجال ليس تحديثاً لظاهرة الثأر بل هو تجديد لمبرّرات استبدال القوى المسيطرة لغيرها على تجمّع محدد». يؤكد حطب أنّ «هذه الأحداث، مع تعدّد أماكن انتشارها، وظهورها المتلاحق في أوساط معيّنة، تعبّر عن حركية صراع النفوذ ضمن هذا الوسط أكثر من أن يكون تعبيراً عن انتماء إلى تاريخ مفهوم الثأر القديم والتمسّك بالقيم الأخلاقية العشائرية».